٠٧ ديسمبر ٢٠٠٦

كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله للمتظاهرين في وسط بيروت في 7 ديسمبر/كانون الأول 2006

أيها الإخوة والأخوات، أيّها المعتصمون من أجل لبنان واستقلاله وحرية وكرامة لبنان وسيادته، السلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته.

كنت أتمنى أن أكون بينكم في ساحة من ساحات الشرف والصمود والمقاومة في هذا الطقس البارد بأجوائه الطبيعية ولكنه الحار بالمودة والمحبة والتعاون ودفء الأخوة الوطنية من أجل لبنان والأمة.

قبل أن أبدأ كلمتي هذه إليكم أتمنى إنشاء الله أن أكون في يوم من الأيام بينكم في تلك الساحة. قبل أن أبدأ واحتياطا لختام الكلمة للأسف لدينا بعض العادات اللبنانية السيئة وهي إطلاق النار ابتهاجا بمناسبة أو أخرى، أنا أتمنى على من يستمعون إلي عند انتهاء الكلمة أن لا يطلقوا الرصاص، هذه عادة سيئة يجب أن نقلع عنها كلبنانيين، يجب أنّ نتجنب إطلاق الرصاص في أي اتجاه حتى في اتجاه السماء، المكان الوحيد للرصاص صدر أعداء لبنان : العدو الإسرائيلي. لذلك واحتياطا أتمنى وأؤكد وأعتبر أنّ هذه الليلة عند انتهاء الكلمة من يطلق الرصاص هو مدسوس يريد الإساءة إلي وإلينا وإلى كل المعارضة الوطنية.

أولا أتوجه إلى أهل الشهيد أحمد محمود بالتعزية والمواساة لأقول لهم إنّ ابنكم استشهد في ساحة الدفاع عن لبنان وكرامته وعزته وتحريره، الشهيد أحمد محمود هو شهيد للمقاومة بامتياز وهو ليس شهيدا في شوارع لبنان الداخلية بل هو شهيد في الدفاع عن استقلال وسيادة لبنان وفي التحرك من أجل إنقاذ لبنان.

يجب أيضا أن أتوجه بالشكر إليكم أنتم يا أشرف الناس وأطهر الناس وأحب الناس وأعز الناس، إلى كل الذين جاؤوا من كل المناطق اللبنانية يوم الجمعة إلى ساحتي رياض الصلح والشهداء من أجل إنقاذ لبنان، إلى كل الذين ما زالوا يحتشدون في كل ليلة من أجل إنقاذ لبنان، أتوجه إليكم بالشكر وأقول لكم إنّ ما تقومون به هو أمر عظيم وشريف لأنّه يخدم هدفا وطنيا نبيلا وشريفا وهو إنقاذ لبنان من خلال إنهاء حالة الإستئثار والتسلط والتفرد وإقامة حكومة وحدة وطنية للمشاركة والوفاق والتوافق والتعاون والتضامن.

أيها الإخوة والأخوات، لقد حاولوا في الأيام الماضية من خلال الشغب والإعتداء على المعتصمين ذهابا أو إيابا وصولا إلى قتل الشهيد أحمد محمود أن يدخلوا الخوف إلى قلوبكم وأن يمنعوكم من المجيء إلى ساحات الإعتصام ولكنهم فشلوا ونسوا أنكم شعب لا مكان للخوف في قلبه، يراهنون اليوم على تعبكم ومللكم وهم لا يعلمون أنكم شعب لا يمل ولا يكل ولا يتعب، قالوا بالأمس أنهم يتوقعون أن تنطلق من ساحتكم صرخة الإستسلام وهم تناسوا بالأمس القريب كيف وقفتم أنتم 33 يوما، ليس فط في البرد أو تحت المطر أو في العراء، وإنما تحت أعنف قصف جوي ومدفعي في العقود الماضية. صمدتم رغم التهجير والقتل والمجازر واحتضنكم أهلكم اللبنانيون في كل المناطق اللبنانية ومن كل الطوائف اللبنانية ولم تستسلموا. نعم هم دعونا إلى الإستسلام من أول يوم ولكننا رفضنا أن نستسلم، هم راهنوا على هزيمتنا ولكننا لم نهزم وبقينا هنا في أرضنا أرض الأباء والأجداد أعزاء أقوياء لا تنحني لنا قامة ولا تنكسر لنا إرادة، لا نعرف التعب ولا الملل ولا الكلل من أجل لبنان والأمة.

قولوا لهم اليوم من ساحة الإعتصام، قولوا لهم غدا في صلاة الجمعة، قولوا لهم في كل ليلة، قولوا لهم يوم الأحد في الحشد الكبير، قولوا لهم بعد الأحد أنكم أيها المراهنون على استسلامنا : واهمون واهمون واهمون . قولوا لهم نحن أقوى من التعب والجوع والبرد والكلل والملل وأقوى من قصف الصواريخ فكيف بقصف الكلمات، نحن أقوى من الحرب فكيف بالتهديد، نحن شعب في معركة الإرادة لن ننكسر إن شاء الله.

أيها الإخوة والأخوات، ليس من الصدفة أن تكون القوى اللبنانية على اختلاف انتماءاتها الطائفية والمذهبية والسياسية والمناطقية التي احتضنت المقاومة وشعبها في حرب تموز وآب هي نفسها اليوم التي تشكل المعارضة الوطنية اللبنانية وتدعمها، وكذلك ليس من الصدفة أنّ الشعوب والحكومات والأشراف في العالم الذين وقفوا إلى جانب المقاومة في الحرب هم الذين يقفون إلى جانب المعارضة اليوم. وفي المقابل، ليس من الصدفة أنّ كل أؤلئك الذين دعموا الحرب الإسرائيلية على لبنان هم الذين يدعمون بقية الحكومة الساقطة المتواجدة في السراي الحكومي.

أنا باسمكم أدعو الدول العربية الحريصة على لبنان أن لا تتدخل كطرف ولا تدعم فريق على حساب فريق. من يريد سلامة وخلاص ووحدة لبنان يجب أن يمد يده لكل اللبنانيين وأن لا تكتفوا بتقارير سفرائكم في لبنان، تفضلوا إلى لبنان وتعرفوا إلى الحقائق السياسية والشعبية والميدانية عن قرب، وابذلوا جهودكم المشكورة من أجل مساعدة لبنان وإنقاذه.

وأقول لبقية الحكومة الفاقدة للشرعية : إنّ استنادكم إلى الدعم الأمريكي والغربي لا يجديكم نفعا على الإطلاق. من تستندون إليه اليوم وفي مقدمتهم جورج بوش هو أحوج ما يكون إلى المساعدة وإلى من ينقذه. فلنأخذ مثلا العراق حيث يتواجد أكثر من 150 ألف جندي أمريكي وينفق مئات مليارات الدولارات وكل الإدارة الأمريكية تتابع الموضوع العراقي. العراق ليس ملفا كلبنان في يد وزارة الخارجية الأمريكية، ومع ذلك ما هي النتيجة في العراق، النتيجة هي الفشل وتمزق العراق والحرب الأهلية والطائفية والآفاق المسدودة، هذه هي نتيجة ومصير أي بلد يراهن على بوش وجيشه وإدارته. ماذا يمكن أن تقدم لكم أمريكا وهي الغارقة في وحول المنطقة من أفغانستان إلى العرق إلى فلسطين إلى لبنان.

هذه الحكومة اللبنانية تلقت على مدى سنة ونصف من الدعم الأمريكي والغربي وما زالت ما لم تتلقاه أي حكومة في تاريخ لبنان، ألا يثير هذا الشكوك والشبهات؟
لماذا هذا الغرام الأمريكي بهذه الحكومة وبرئيس هذه الحكومة، لكن ما يثير الشبهة أكثر والشكوك أكثر هذا المديح الإسرائيلي اليومي لهذا الفريق الحاكم في لبنان، هل هناك وراء الأكمة ما لا نعرف وما نجهل ؟

أليس من العار أن تجتمع الحكومة الصهيونية المصغرة ـ وهي عادة تجتمع عند ما يكون هناك أمر يتهدد أمن ومصالح إسرائيل ـ أليس من العار أن تجتمع حكومة إسرائيل المصغرة وموضوع جلستها فقط كيف يمكن أن نساعد هذه الحكومة المتهالكة في لبنان؟ وقال بعضهم يمكن أن نساعدهم بالخروج من القسم الجنوبي اللبناني من بلدة الغجر، وقال بعضهم فلنخرج من مزارع شبعا ونقدمها هدية ودعم سياسي ومعنوي للفريق الحاكم من لبنان، ولكن ماذا فعلوا لكم، لم يخرجوا لا من الغجر ولا من مزارع شبعا، حتّى في هذه زهدوا في أن يقدموا لكم دعما معنويا، ألا يدعو كل هذا الدعم الأمريكي والغربي والإسرائيلي إلى التوقف وإلى التأمل.

أيّها الإخوة والأخوات، نحن في المعارضة الوطنية اللبنانية نصر على مطلبنا وعلى هدفنا وهو تشكيل حكومة وحدة وطنية لبنانية حقيقية. لماذا، لأنّ تركيبة لبنان الخاصة المتعددة المتنوعة تعني أنّ حكومة فريق واحد وتسلطه كان دائما يضع لبنان أمام الحائط المسدود في كل شيء. لبنان لا يقوم إلاّ بالمشاركة وبالتوافق وبالتضامن والتعاون وليس بالإستئثار. نريد حكومة وحدة وطنية لأنّها السبيل الوحيد لمنع أي وصاية أجنبية، ليسمع العالم كله، نريد حكومة لبنانية قرارها لبناني وإراتها لبنانية وسادتها لبنانيون وهذا ما نتطلع إليه، وهي التي تشكل الضمانة للبنان وأمنه واستقراره ومستقبله وازدهاره وسلامته ووحدته. نحن نرفض أي وصاية أجنبية سواء كانت لعدو أو لصديق أو لشقيق وهذه هي الحقيقة.

يسألوننا اليوم لو كنتم أنتم المعارضة الحالية أصبحتم في يوم من الأيام أكثرية نيابية وشكلتم حكومة، هل ستعطوننا الثلث الضامن؟ أنا أقول لهم باسم حزب الله وكفريق في المعارضة، نعم نحن نؤيد إعطاء أي معارضة في لبنان ثلثا ضامنا لأننا نؤمن بالشراكة والتعاون والتوافق ولا نؤمن بحكم فريق على حساب فريق آخر. وعندما نعطي، لو كنّا أكثرية، الثلث الضامن لأي معارضة نعطيها ونحن واثقون لأنه ليس هناك ما نخافه على الإطلاق، وليس هناك لدينا أيّة إلتزامات دولية أو التزامات إقليمية نريد أن نقوم بتمريرها من خلال حكومة أكثرية معينة. نحن نريد مصلحة لبنان ومصلحة لبنان هي تلك التي نتوافق عليها جميعا.

أيها الإخوة والأخوات، عندما سدت أبواب الحوار وعطّلت طاولة التشاور وَوُجِهْنَا بالإستئثار وبالإصرار على التسلط كان خيارنا الأخير أن ننزل إلى الشارع، ولكننا ونحن في الشارع وفي الإعتصام وفي التظاهر لم نوقف ولم نقفل أبواب التفاوض، كل الذين يدعوننا إلى الحوار نقول لهم نعم، أبواب الحوار مفتوحة مع قادة المعارضة ورموزها وأبواب المبادرات مفتوحة، لكن بالتأكيد لسنا بحاجة إلى العودة إلى طاولة حوار فضفاضة لتضييع الوقت. لن نخرج من الشارع لنذهب إلى طاولة حوار يتم خداعنا فيها من جديد. نحن سنبقى في الشارع ومن يريد أن يتفاوض مع المعارضة ويتحاور معها فأبواب قادتها على اختلافهم مفتوحة.

اليوم هناك مبادرة لمجلس المطارنة الموارنة الذي نحترم، نحن نعتبر هذه المبادرة تحمل العديد من الإيجابيات وتستحق أن تناقش وأن يُتَلاَقى على أساس بنودها فيُقْبَل ما يقبل ويُعَلَّق أو يؤجل ما يعلّق أو يؤجّل. الباب مفتوح للتفاوض، وليس صحيحا أنّ المعارضة لا تحاور ولا تفاوض ولا تناقش، بل الخيارات كلها مفتوحة، ولكن أقول لهم فاوضونا وحاورونا ونفاوضكم ونحاوركم ولكننا باسم كل المحتشدين الليلة وبالأمس وغدا لن نخرج من الشارع قبل تحقيق الهدف الذي ينقذ لبنان.

أيها الأخوة والأخوات، ما دمنا مستمرين في اعتصامنا أريد أن أؤكد على الضوابط التي تحدثنا عنها منذ اليوم الأول: لا شتائم. البعض من المتحمسين في ساحات الاعتصام قد يطلق شعارات مهينة لشخصيات في الحكومة، نحن نرفض أي إهانة شخصية لأحد، أي إهانة أي شتيمة أي كلام غير لائق وغير أخلاقي لا يجوز أن يصدر من اعتصامكم. نحن نؤكد على اعتصامنا وعلى تحركنا السلمي والمدني والحضاري. طبعاً، هم عندما قتلوا الشهيد أحمد محمود أرادوا أن يجرون إلى صدام مسلح وإلى القتال، ولكن باسم الشهيد أحمد محمود، باسم كل رفاقه، باسم كل رجل وإمرأة وطفل صغير وشيخ كبير في المعارضة الوطنية اللبنانية، أقول للفريق الحاكم ولقواه السياسية، وللأسف، لبعض ميليشياته: نحن نرفض الحرب الأهلية. نحن نرفض الفتنة بين الطوائف أو الفتنة بين أتباع المذاهب، أو الفتنة بين القوى السياسية. نحن نرفض أي صدام مسلح في الشارع بل نرفض أي نوع من أنواع التصادم في الشارع. أردناه تحركاً حضارياً سلمياً، أثبتنا ذلك يوم الجمعة في الحشد الذي ليس له سابقة في تاريخ لبنان ولو وهنوا به في وسائل إعلامهم، التي تكبر ما يفعلون وتصغر ما تفعلون، ولكن الصورة واضحة لكل العالم.

أنا أقول للبنانيين ولكل شعوب المنطقة: من يدفع الأمور باتجاه الحرب الأهلية، في الحرب الأهلية الكل خاسر. لن أقول لكم أنتم تخسرون ونحن نربح، لا، كلنا يخسر. كل اللبنانيون يخسرون في الذهاب إلى الحرب الأهلية أو إلى الفتنة المذهبية. في العراق الكل يخسر، في فلسطين الكل يخسر. ما يعدنا به بعض الملوك العرب، للأسف، من حروب أهلية في لبنان والعراق وفلسطين، هي خسارة لنا جميعاً، والربح الصافي سوف يذهب إلى إسرائيل وأمريكا والمحافظين الجدد وأصحاب نظريات الفوضى الخلاقة. نحن في لبنان لن ننجر إلى أي فتنة. لو قتلتم أحمد محمود ، لو قتلتم ألفاً مثل أحمد محمود نحن لن نرفع السلاح في وجه أحد.

هؤلاء نسوا وكثير منهم كانوا في الحكومة التي منعت التظاهر في أيلول 93، وأطلق النار علينا وسقط لنا عشرة شهداء وخمسون جريحاً ولم نرفع السلاح في وجه أحد. أقول لكم نحن لسنا بحاجة للسلاح لنهزمكم، لأن سلاحنا فقط في وجه الصهاينة، نحن بأصواتنا نهزمكم، بدم أحمد محمود نهزمكم، بدم أي شهيد مظلوم يمكن أن تسفكوا دمه نهزمكم، بإصرارنا على الوحدة وعلى الأخوة وعلى الإلفة.
فليسمع العالم وليعرف، خصوصاً الشعوب العربية التي يحاولون تأليبها على المعارضة اللبنانية بالأكاذيب، هم يقتلوننا ونحن نقول لهم : نحن نريد أن نكون معكم وأن تكونوا معنا سوياً. أيها القتلة، أقول لكم: نحن بالدم سننتصر على سيوفكم.

أيها اللبنانيون، سمعت وللأسف، أن بعض الزعامات الدينية أو السياسية تحرض في المجالس الداخلية وتقول: إن لدى حزب الله 30 ألف صاروخ موجهة إلى بيوتكم! لم يكن هذا سلوكنا في يوم من الأيام، وأنا من هنا، أقول لهؤلاء الزعماء ومن يصغي إليهم: من هدمنا له داراً في لبنان فليأتي ويطالبنا، من سفكنا له دماً في لبنان فليأتي ويطالبنا، ولكن أنتم الذين تحرضون كم دمرتم من بيوت وكم قتلتم من أنفس وكم سفكتم من دماء؟! بكل صراحة، نحن لا نريد أن نقاتل أحداً ولن نقاتل أحداً، ونحن لا نريد أن نهدد أحداً ولن نهدد أحداً. إن دم كل لبناني وأنا أريد أن أؤكد هذا المعنى ، اليوم، في بعض المناطق يثيرون الكثير من الشائعات، وخصوصاً في مدينة بيروت، ويقولون لهم إن قوى سياسية معينة في المعارضة ذات لون مذهبي تريد أن تهاجم أحيائكم وذلك من أجل استثارة النعرات المذهبية والطائفية، فليسمعني أهل بيروت وكل اللبنانيين:إن دم كل لبناني من أي طائفة أو مذهب أو حزب أو تيار سياسي أو منطقة لبنانية، إن دم كل لبناني هو دمنا ، وإن عرض كل لبنان هو عرضنا، وإن مال كل لبناني هو مالنا، وإن بيت كل لبناني هو بيتنا. هذا هو الخط الأحمر الذي نحميه بدمنا لو سفكتموه، هذا هو الخط الأحمر الذي نحميه برموش عيوننا ولو تآمرتم علينا أو أردتم جرنا إلى فتنة. نحن لن ننجر إلى حرب أهلية ولا إلى فتنة ولا إلى شكل من أشكال التقاتل الداخلي. الحمد لله، اليوم، لدينا ضمانة وطنية حقيقية هي مؤسسة الجيش اللبناني ،الذي أثبت حتى الآن بقيادته وضباطه ورتبائه وجنوده، أنه جيش كل لبنان. هذه الضمانة يجب أن نحافظ عليها جميعاً، ويجب أن لا نسمح بأي تشرذم أو تشقق في داخل مؤسسة الجيش، ويجب أن تترفع القوى السياسية عن التفكير باستخدام أي من ضباط أو جنود الجيش اللبناني لمصلحتها، لأن انهيار الجيش، لا سمح الله، سوف يفقد لبنان مناعته.

لقوى الأمن الداخلي أقول: يجب أن تثبتوا أيضاً أنكم مؤسسة وطنية حقيقية، وأنكم لا تعملون لمصلحة فريق لبناني على حساب فريق لبناني، لتشكلوا أيضاً إلى جانب الجيش ضمانة وطنية حقيقية.

أيها الأخوة والأخوات، عندما نزلتم إلى الشوارع واعتصمتم مساء الجمعة ومساء السبت واحتشدتم يوم الأحد في القداس صباحاً وبعد الظهر في المهرجان وفي الليل في الاعتصام المعهود، كيف تعامل معكم الفريق الحاكم، الفريق الذي يدعي ويتحدث عن الديموقراطية وعن الحريات العامة وعن حق حرية التعبير.كانت حركتم حضارية اعترف بها كل العالم. وكان انضباطكم مدهشاً وأنتم دائماً تدهشون العالم، في الحرب في السلم في التظاهر. ماذا فعلوا كيف تصرفوا ؟ وهنوا بحشدكم الغير مسبوق، ولكنهم للأسف، أرسلوا شللهم المسلحة، وأنا يحزنني أن يجلس البعض معنا على طاولة الحوار ليناقش سلاحاً مقاوماً لم يوجه إلى الداخل، ويريد أن ينزع هذا السلاح، وهو يأتي بالسلاح ويخزن السلاح ويوزع السلاح في أكثر من منطقة وأكثر من مكان. أرسلوا شللهم المسلحة لتعترضكم في طريق العودة وتقتل الشهيد أحمد محمود وتجرح آخرين.

ضاقت صدورهم بالديموقراطية التي يدعون أنهم يحافظون عليها. كما وجهوا من تهديدات إلى شخصيات في المعارضة، وخصوصاً تلك الشخصيات الوطنية التي تنتمي إلى الطائفة السنية الكريمة. ألم يرسلوا السيارات والمسلحين لمحاصرة البيوت والأماكن التي تنتسب إلى هؤلاء الزعماء والشخصيات؟! هل هذه هي الديموقراطية هل هذه هي الحرية؟؟

لقد تظاهرتم لأيام وليالي طويلة، إني أسألكم وأسأل اللبنانيين وأسأل العالم: في ظل نظام الأجهزة الأمنية كما تسمونها، في ظل نظام الأجهزة الأمنية هل قطع عليكم أحد الطريق؟ في طريق الذهاب أو الإياب؟ هل قتل متظاهر لأنه ذاهب إلى اعتصام أو عائد من اعتصام؟ لكن الأخطر فيما يجري اليوم، الأخطر هو التحريض المذهبي، لقد كفوا عن التحريض الطائفي،اليوم ليس هناك حديث عن مسلمين ومسيحيين في لبنان، كل الحديث عن سنة وشيعة في لبنان. قالوا عن الحشد الكبير يوم الجمعة، أن هذه المظاهرة شيعية وتجاهلوا المشاركة الكبيرة والعارمة من كل الطوائف، ليصورا وكأن المسألة مظاهرة شيعية في مقابل حكومة سنية. لا المظاهرة شيعية ولا الحكومة سنية، هذه هي الحقيقة. ثم جاؤوا بعد ذلك ليقولوا أن المظاهرة هي لحزب الله، يعني في المرحلة الأولى أرادوا أن يحيدوا بقية أطراف المعارضة ، ثم من خلال الطابع المذهبي للمظاهرة ، ثم جاؤوا ليحيدوا حركة أمل وليقولوا أن هذه المظاهرة لحزب الله ، ثم جاؤوا بعد ذلك ليركزوا حملتهم الشديدة على حزب الله وخطابهم الإعلامي المنسق والمتفق عليه، يقولون اعتصام حزب الله وحلفائه. يريدون أن يتجاهلوا بقية قوى المعارضة الحقيقية. عل كل حال، خلال الأيام الماضية انكشف زيف هذا الإدعاء، وأن التظاهر والاحتشاد الليلي هو تعبير حقيقي وصادق عن كل أطياف المعارضة الوطنية اللبنانية. هذا الشعار المذهبي سقط وسيسقط، ولكنهم يواصلون العمل على أساسه. في كل الإدعاءات السابقة في إعلامهم وخطابهم، يستهدفون ويخاطبون الشارع السني في لبنان، ومن خلاله أيضاً الشارع السني على امتداد العالم العربي والإسلامي، ويتصورون أنهم بذلك يسيئون إلى مكانة حزب الله وإلى مكانة القوى المشاركة في المعارضة الوطنية اللبنانية. تارة يقولون المعارضة تريد تغيير اتفاق الطائف، وهذا افتراء وكذب، وأخرى يقولون التظاهر هدفه التغطية على قتلة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ثم يستحضرون العراق وغير العراق، ولا أريد أن أدخل في التباسات هذا الاستحضار، وآخر الأكاذيب، ويناقضون أنفسهم عندما يقولون : السرايا الحكومي محاصر وفي نفس الوقت يبثون عبر شاشاتهم عن الوفود التي تتقاطر إلى السرايا الحكومي. كيف يكون السرايا محاصراً وتأتي كل هذه الوفود.

في كل الأحوال، التحريض المذهبي خطيئة وجريمة تاريخية ودينية وإنسانية وسياسية كبرى، وإذا أخذت مكانها الطبيعي فإنها تحرق الجميع . التحريض المذهبي لعب بالنار، واليوم أنا أطالب بلجنة تحقيق عربية من جامعة الدول العربية أو إسلامية من منظمة المؤتمر الإسلامي، تأتي إلى هنا وتحقق. أنا أقول من يحرض مذهبياً أو طائفياً هو خائن، وليحققوا. من الذي يقدم اليوم خطاباً طائفياً أو مذهبياً؟ من الذي يحرض؟ من الذي يوزع بيانات تحلل قتل أبناء هذه الطائفة أو تلك الطائفة؟ من الذي يحول الصراع السياسي في لبنان إلى صراع مذهبي؟ ثم يعرفون هم ويعتقدون وهذه شهادة لنا: أننا في حزب الله تحديداً وفي بقية قوى المعارضة الوطنية، حساسون اتجاه الفتنة الطائفية، وحساسون اتجاه الفتنة المذهبية بين الشيعة والسنة. وأيضاً يحاولون أن ينالوا من حزب الله ويقولون أن مكانتنا في العالم العربي تراجعت، وينصحوننا، كلهم يوجهون النصح لحزب الله ولي شخصياً، ويقولون لا تضيعوا ما جمعتموه، ولا تضيعوا مكانتكم في العالم العربي. العالم العربي يعرف، وحصلنا على هذه المكانة لأنه يعرف، أننا أصحاب قضية شريفة ومقدسة ونحن نخدم قضيتنا . نحن لسنا طلاب مناصب ولا طلاب مكانة ولا طلاب شهرة، حتى في حكومة الوحدة الوطنية المقبلة، نحن لا نطالب بحصة لحزب الله. إنني أعلن أمامكم بوضوح: إن المقاعد الوزارية التي تعطى لحزب الله في حكومة الوحدة الوطنية سنتخلى عنها ليشارك فيها حلفاؤنا في المعارضة. نحن لسنا طلاب سلطة ولا طلاب منصب، نحن أصحاب قضية، نفتديها بدمائنا وأبنائنا ، وأقول لهم ليعرفوا من يخاصمون اليوم ومن يواجهون اليوم، نحن قوم لا نخاف من الشتائم ولا من السباب ولا الاتهامات، فليسمعوني جيداً : نحن نخلص لقضيتنا وشعبنا وأمتنا ونقدم من أجلها أبنائنا ودمائنا وأرواحنا وماء وجوهنا، لا فرق عند الواحد منا أن يجلس على العرش أو أن يشيع في نعش.

ثانياً، أخاطب كل لبناني وكل الشعوب العربية والإسلامية الذين يتابعون اليوم أحداث لبنان بشكل تفصيلي وأسألهم لنبحث عن مكانتنا عندهم: هل يرضى أي لبناني أو أي عربي، أن نسكت أو ندعم حكومة يعلن عن دعمها كل يوم جورج بوش وإيهود أولمرت؟ هل تقبلون أن ندعم أو نسكت عن حكومة ثبت بالدليل القاطع أنها لا تملك قراراً وطنياً لبنانياً وإنما تخضع لإرادة وقرار السفير الأميركي فيلتمان ومن ورائه كوندليزا رايس؟ نحن نريد حكومة لبنانية وطنية لا تخضع لأي أجنبي كما قلت سواء كان عدواً أو صديقاً أو شقيقاً؟ هم ليدافعوا عن تسلط واستئثار الفريق الحاكم ، يختبئون خلف العنوان المذهبي السني والشيعي، ويحاولون أن يصورا للسنة في لبنان وللسنة في العالم العربي، أن المعارضة تستهدف حكومة السنة في لبنان! هذا ليس صحيحاً. هذه الحكومة الغير شرعية ليست حكومة السنة في لبنان وليست حكومة وطنية إلا إذا تشكلت على أساس حكومة وحدة وطنية، هذه حكومة السفير الأميركي. وأنا أقول لكم وليسمع كل العالم وأقول صادقاً وقد عودتكم على الصدق: لو كانت هذه الحكومة حكومة السنة في لبنان لكنت أنا أول المطيعين لهذه الحكومة.

فليتوقفوا عن اللعب بالمذهبية، ولو أردتم أن تدخلوا الملف الفلسطيني في ساحة الصراع فصفحة قوى المعارضة اللبنانية مشرقة ومضيئة فيما يعني فلسطين، ولكن أين صفحتكم. لو أردتم أن تدخلوا التباسات الموقف في العراق ، فأنتم تعرفون : نحن أصلاً ضد الغزو الأميركي للعراق وأعلن هذا بوضوح وشتمنا، ولم نهتم للشتائم لأن الموقف كان حقاً، أما أنتم فأدعياء بقاء الاحتلال الأميركي، وتمدحون هذا الاحتلال وترونه صائباً وتعارضون إنهائه، وتدعون إدارة بوش إلى احتلال سوريا وإلى احتلال المزيد من الأرض العربية والإسلامية. نحن مع المقاومة في فلسطين، في العراق في كل مكان يحمل فيه وطني شريف سلاحه من أجل تحرير أرضه من الاحتلال والهيمنة والوصاية. لا تخلطوا المسائل ولا تشبهوا الأمور على الناس، لا تحتجوا بموقف فئة شيعية هنا أو هناك، كما لا يجوز أن يحتج أحد من الشيعة بموقف فئة سنية هنا أو هناك. هل ليجوز لشيعي أن يقف ويحاسب الأهل الكرام والأحباء والأخوة، أهل السنة في العالم لأن رئيساً عربياً وقع صلحاً مع إسرائيل في كامب ديفيد ويحمل أهل السنة مسؤولية صلح كامب ديفيد؟ هل يجوز أن يحمل أحد أهل السنة مسؤولية بعض الزعماء الذين يصافحون الصهاينة ويطبعون مع الصهاينة ويحاصرون الانتفاضة في فلسطين؟ أبداً. الشيعة ليسوا حساباً واحداً، والسنة ليسوا حساباً واحداً وليسوا معسكراً واحداً. وليسوا مشروعاً واحداً. في كل بلد هناك شيعة وسنة هنا وهناك، هناك مسلمون هنا وهناك. هناك مسيحيون هنا وهناك. فليحاسب بعضنا الآخر على أساس مواقفه الوطنية والقومية التي تخدم مصالح وطنه ومصلح أمته. دعوا هذا الأمر جانباً. ولكن من المؤسف والمحزن أنه في الأيام الأخيرة عمموا على بعضهم البعض وأعادوا فتح ملف الحرب الأخيرة في تموز وآب، ليعيدوا تحميل حزب الله مسؤولية الحرب والدمار والتبعات الاقتصادية وإلى آخره، ويبدو أن هناك تعميم واضح وتركيز واضح. أنا من الذين كانوا يحرصون دائماً على تأجيل الكلام في هذا الملف لمصلحة اللبنانيين، ولكن ما دمتم تصرون فاسمعوا، قبل أن أشرح وأوضح أقول للمعارضة جميعها وخصوصاً للجمهور الذي يعتبر نفسه معيناً مباشرة بالمقاومة، ما أقوله ليس له عندنا نتائج ولا ردات فعل وسوف يستغرب العالم: كم نحن وأنتم أخلاقيون ومتسامحون ومتواضعون وحريصون ، ما اقوله لن يغير من الهدف شيئاً، وسوف نبق نقول لهم : تعالوا معاً لنشكل حكومة وحدة وطنية ، ولكن اسمعوا عن الحرب: أنا أدعو إلى تشكيل لجنة قضائية لبنانية من قضاة نزيهين أو لجنة قضائية عربية من قضاة نزيهين، ولتفتح تحقيقاً في مسألة الحرب الأخيرة. هم يتهموننا، ولكن أنا اليوم بصراحة سأتهمهم. الذي طلب من أمريكا، من جورج بوش وديك تشيني بشكل رسمي أن تشن الحرب على لبنان بدليل أنّ الحوار حول سلاح المقاومة باعتقادهم وصل إلى طريق مسدود وأن لاإمكانية داخلية لبنانية لانتزاع سلاح المقاومة لأنّها قوية وذات جمهور لبناني عريض في كل الطوائف وهذا ما أكّدته استطلاعات الرأي العامة، ولأنّ الجيش اللبناني جيش وطني يرفض الصدام مع المقاومة، قالوا لهم لا سبيل لبناني ومحلي ل،هاء مسألة المقاومة، الطريق الوحيد هو أن تطلب الإدارة الأمريكية من حكومة (ايهود) أولمرت أن تشن حربا كبيرة مدمرة قاضية ليس على حزب الله فقط بل على حزب الله أن تشن حربا كبيرة مدمرة قاضية ليس على حزب الله فقط بل على حزب الله وعلى كل الذين يؤيدونه أو يحتضنونه حتى لا تبقى لهذه المقاومة باقية ولا تقوم لها حتّى في المستقبل قائمة.

الإدارة الأمريكية قبلت هذا الطلب وأرادت أيضا توظيفه في انتخابات الكونغرس التي جرت بمعنى أنّه لو نجحت الحرب لجاء بوش والمحافظون الجدد ولقالوا للأمريكيين ها نحن قضينا على أحد أهم التنظيمات الإرهابية في العالم، وفي المخطط حضّروا لسجن في مستوطنة في شمال فلسطين المحتلة اسمها روشبينا وهي قاعدة عسكرية أيضا وقاعدة جوية يمكن أن تتسع لعشرة آلاف سجين. هل هؤلاء السجناء سيكونون فقط من حزب الله، لا، كان السجناء سيكونون مِنْ كل مَنْ يعارض الفريق المتسلط الحاكم في لبنان. وقبلت الإدارة الأمريكية وأعطت الأمر لإسرائيل. من الذي طلب؟ أنا لا اتهم كل فريق 14 آذار، لا اتهم كل الفريق الحاكم، لا اتهم كل شخصياته، أنا لم أذكر أسماء أمام أحد، لا أمام صحفي أمريكي ولا غير صحفي أمريكي، لكن الذين جلسوا مع الأمريكيين وطلبوا منهم أن تشن إسرائيل علينا الحرب يعرفون أنفسهم وأنا أعرفهم وأتمنّى أن لا يأتي يوم من الأيام أقول أسماءهم.

الذين يتحمل مسؤولية الحرب في تموز ليست المقاومة التي يعترف لها البيان الوزاري بوضوح بأنّ لها الحق بالعمل من أجل تحرير الأرض والأسرى. عندما يعطى هذا الحق للمقاومة المقاومة مقاومة وليست وزارة خارجية، المقاومة تحرر الأرض والأسرى بالسلاح وليس بالمفاوضات والدبلوماسية. نحن اُعْطِينَا هذا الحق في البيان الوزاري وفعلنا بالحق الذي أُعْطِينَاه في البيان الوزاري. الذي يتحمل مسؤولية الحرب والدمار هو الذي طلب من أمريكا وإسرائيل أن تتخذ هذه العملية ذريعة لتشن الحرب على لبنان، وأنا أقبل بقضاء محايد ولجنة تحقيق محايدة.

أيضا، أنا في أيام الحرب قلت لكم أنّ جون بولتون غير المؤسوف على رحيله يريد أن يوقع بيننا الفتنة كلبنانيين عندما أعلن عن مفاجأته أنّ المسؤولين في لبنان قبلوا مسودة المشروع الأمريكي الفرنسي ثمّ تخلفوا عن ذلك، ولكنه كان يقول صدقا. هم قبلوا بمسودة المشروع الأمريكي الفرنسي لكن عندما وُوجِهُوا بالرفض الوطني في لبنان عدلوا عن ذلك. قلت لكم أيام الحرب أنّ أولمرت يريد أن يوقع بيننا ولكن لم أقل لكم أنّه يكذب، استعملت عبارة حمّالة أوجه. عندما كان يقول إنّ جهات في الحكومة اللبنانية تتصل بنا وتصر علينا أن نواصل القتال، هذا الكلام من أولمرت صحيح ونحن نعرف من هم هؤلاء، وأرجو أنّ لا يأتي اليوم الذي أذكر فيه أسماءهم أمام العالم.

أنا أخاطبكم من هنا وبجواركم رئيس الحكومة الفاقة للشرعية. أنا أسأله والشهود كلهم ما زالوا أحياء، أسأله يا دولة الرئيس : في وسط الحرب عندما دمّر الصهاينة بالغارات الجوية كل الجسور والطرق والمعابر من أجل قطع خطوط إمداد المقاومة في الجنوب، وهم ما ضربوا الجسور من أجل الجسور ولا الطرقات من أجل الطرقات وإنّما كانوا يريدون قطع خطوط الإمداد للمقاومة وفشلوا وبقي الإمداد مستمرا حتّى آخر يوم ولم يتوقف... أسأله : ألم تأمر أنت يا دولة الرئيس، الجيش اللبناني بمصادرة سلاح المقاومة الذي ينقل إلى الجنوب أم لا ؟

أريد أن أسأل : هل يقبل لبناني سواء كان مسلما أم مسيحيا، هل يقبل لبناني سواء كان سنيّا أو شيعيا أو درزيا أن يحصل هذا في أيام الحرب؟ هل يقبل أي عربي سواء كان مسلما أم مسيحيا سنيا أو شيعيا أن يعمل رئيس حكومة لبنان على قطع خطوط الإمداد للمقاومة التي كانت تخوض معركة الدفاع عن لبنان وعن الأمّة؟ فقط لأنّه سنّي يجب أن أسكت عنه لو كان شيعيا لذكرته منذ اليوم الأول. سوف يخرج غدا رئيس الحكومة الساقطة شعبيا ليقول "إنّو السيد حسن يتجنّى علي" أنا أقبل بلجنة تحقيق والشهود أحياء ومن أرسلتُهم ليتوسطوا لديه في الليل من أجل أن يجمّد هذا القرار ما زالوا على قيد الحياة.

ولكن الأهم والأخطر، نحن في لبنان ندفع الضرائب للحكومة وهي بدورها تدفع رواتب الموظفين في المؤسسات العسكرية والأمنية والمدنية وتدفع الموازنات وتشتري التجهيزات... من المفترض أنّ الأموال التي يدفعها الشعب اللبناني وتبنى بها أجهزة أمنية أن تبنى الأجهزة الأمنية لحماية اللبنانيين وحماية أمنهم وممتلكاتهم والدفاع عنهم، في الحرب كان من المفترض أن تعمل بعض الأجهزة الأمنية التابعة للفريق الحاكم على ملاحقة الجواسيس والشبكات الإسرائيلية التي كانت تقدّم المعلومات للإسرائيليين ليقوموا بالقصف، ولكن للأسف الشديد أقول لكم، وأنا حاضر أيضا للجنة تحقيق مستقلة ومحايدة، إنّ أحد الأجهزة الأمنية الرسمية التابع للفريق الحاكم كان يعمل في فترة الحرب للبحث عن أماكن قيادات حزب الله لتشخيصها، وقد عملت مجموعة من هذا الجهاز الأمني الرسمي للأسف الشديد لتحديد المكان الذي كنت أتواجد فيه أنا شخصيا أثناء مرحلة الحرب.

أكتفي بهذا المقدار عن الحرب، ولو أردت أن أستمر سواء قبل الإخوة والرفاق في المعارضة أو لم يقبلوا، لو لم نكن حريصين على هذا الوطن، لو لم نكن مدركين للحساسيات المذهبية والطائفية لوقفت في الرابع عشر من آب ليس لأتحدث عن حكومة وحدة وطنية وإنّما لأتحدث عن خونة يجب أن يحاكموا في لبنان.

لكن مع كل الذي قلته لكم، وهنا يتفاجأ العالم وتتفاجأون، نحن أبناء هذه القيم وهذه الثقافة ثقافة الحرص على الوحدة، ثقافة التسامح وثقافة المحبة، أنا أسامحهم وإذا أرادوا أن يحاسبوني أنا جاهز للحساب. اليوم وأيضا حرصا على الحساسيات المذهبية، قبل أشهر اعتقلت مجموعة للأسف أنها تنتمي إلى جهة أصولية سنية وكانت تخطط لاغتيالي، وقام الكثيرون من عمائم وغير عمائم وطعنوا في هذه المسألة وأنا سامحتهم، وقلت أنني أسقط حقّي. ما زالوا في السجن أمام القضاء الذي لم يحسم مسألتهم حتّى الآن ولا أعرف لماذا، ولكن أنا أطلب من القضاء اللبناني أن يطلق سراح أعضاء هذه المجموعة التي كانت تخطط لاغتيالي وأن تعيدهم إلى بيوتهم في بيروت وفي الطريق الجديدة وسامحهم الله جميعا.

مجددا أخاطبهم، أخاطب الفريق الحاكم المستأثر : لن تستطيعوا أن ترهبونا بالشغب ولن تستطيعوا أن تمنعوا الناسمن المجيء إلى ساحتي رياض الصلح والشهداء، لن تستطيعوا جرنا إلى الفتنة المذهبية، لن تسمعوا صرخة استسلام ولا ضعف ولا وهن لأنّ مطالبنا محقة. ما زلنا نقول لكم تعالوا لنقيم حكومة وحدة وطنية، وأقول لكم : الوت لا يلعب لمصلحتكم، أبدا، فهذا سيدكم في البيت الأبيض ترتجف أعصابه ويتهاوى في كل مكان. تعالوا لنعود إلى بعضنا البعض كلبنانيين، لا مكان للعناد، الفرصة ما زالت متاحة وأبواب التفاوض ما زالت قائمة ولا زلنا نقبل في المعارضة، لم نقل أنّ مطلبنا الوحيد هو إسقاط الحكومة، قلنا تعالوا نحول الحكومة الحالية إلى حكومة وحدة وطنية ، الحكومة التي يرأسها فؤاد السنيورة، ولكم فيها الأغلبية وللمعارضة ثلثٌ ضامن من أجل أن نضمن لبنان...

لكن إذا أصريتم على العناد ورفضتم، نحن الآن في المعارضة بدأنا ندرس خيارا آخرا، بعد مدة لن نقبل حكومة وحدة وطنية يرأسها أحدٌ منكم. بعد مدة سيتحول هدفنا إلى إسقاط هذه الحكومة وتشكيل حكومة انتقالية تجري انتخابات نيابية مبكرة وأنتم تعرفون لمن الأكثرية ولمن الغلبة. في انتخابات 2005 أخذتم الأكثرية على عجل بقانون ظالم وبتحالفات المُخَادَعَة، في الإنتخابات المقبلة لن يكون مكان للخداع لأنّ المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين. بعد الإنتخابات المبكرة ستكون المعارضة أكثرية وستشكل حكومتها وسيرأس حكومتها شخصية سنية وطنية شريفة نظيفة نزيهة يعرف العالم كله نزاهتها. وهؤلاء السنة الوطنيون في لبنان كُثُر القادرون على تحمل مواقع قيادية من هذا النوع. ولكن لن نلغيكم ولن نشطبكم، سنعطيكم في الحد الأدنى، أنا أوافق أن نعطيكم الثلث الضامن ونشارككم لأنّنا نؤمن أنّ لبنان بلد الشراكة والمشاركة والتوافق والتعاون.

أيها الإخوة والأخوات، للتعبير عن استمرارنا في هذا التحرك السلمي الحضاري، أنا أدعو المسلمين في كلمتي هذه بالتحديد للمشاركة غدا في صلاة الجمعة التي ستقام في ساحاتكم، ساحات الشرف والمقاومة السياسية الحقيقية وليس المزيفة أو المدَّعَاة، أدعوكم للمشاركة في صلاة الجمعة التي ستعبر عن وحدتنا وتلاحمنا في وجه كل أشكال الفتنة والتفرقة، بإمامة سماحة العلامة الشيخ الدكتور فتحي يكن، وأقول للمصلين من المسلمين الشيعة باعتبار أننا عادة نصلي الظهر غالبا أنّ صلاة الجمعة هذه تجزيكم عن صلاة الظهر ويمكنكم بعدها أن تصلوا صلاة العصر وتكفيكم. أدعوكم وأدعو كل من يستمع إلى أوسع مشاركة في صلاة الجمعة هذه لأنّها عبادة لله الواحد الأحد ولأنها تعبير نريد أن نوجهه لكل أؤلئك الذين يتربصون بنا من أجل الفتنة والتفرقة والتصارع. قد تجدون أرضا للفتنة والحرب الأهلية في مكان ما في العالم لكن في لبنان لن، لن يكون هناك قتال بين الشيعة والسنة.

الأمر الثاني، أدعوكم وأدعو كل المشاهدين والمستمعين إلى المشاركة في الحشد الجماهيري الكبير يوم الأحد في الساعة الثالثة عصرا لتجديد التعبير عن الموقف ولتأكيد الحضور الشعبي والإصرار الشعبي للمعارضة الوطنية اللبنانية، كما نقول لهم في كل ليلة، سنقول لهم الأحد عصرا، سيسمعوننا في كل صور الفريق الحاكم، من الساحات، من بيوت الفقراء، من الأكواخ، من الخيم، من البيوت المهدمة، من أحياء المهاجرين بالفقر والمهجرين بالحرب، سنسمعهم صوتنا نحن في المعارضة الوطنية اللبنانية لن نستسلم وسوف نبقى في الساحات حتّى نقيم حكومة الوحدة الوطنية اللبنانية الضامنة للبنان لكل اللبنانيين، المنقذة للبنان والمدافعة عن لبنان التي تعالج أزماته الإقتصادية والسياسية والإجتماعية، لنسمعهم أننا مصرون على الهدف وسنواصل الطريق مهما كانت التضحيات.

أيها الإخوة والأخوات من كل الطوائف والمذاهب والأحزاب والتيارات، أنتم منتصرون حكما، وكما قلت لكم في الدعوة: كما كنت أعدكم بالنصر دائما أعدكم بالنصر مجددا. هم يواصلون حرب تموز وآب ونحن نواصل معركتنا في الدفاع عن هوية لبنان ووحدة لبنان وكرامة لبنان، عشتم جميعاً، طاب ثرى الشهيد أحمد محمود طاب ثرى شهدائكم ، عشتم وعاش لبنان.

المزيد...

٣٠ نوفمبر ٢٠٠٦

دعوة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الى المشاركة في الاعتصام المفتوح في وسط بيروت

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ابي القاسم محمد وعلى آله الطيبين وعلى جميع الانبياء والمرسلين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أيها اللبنانيون..

لقد مضى عام وبضعة اشهر على تشكيل الحكومة اللبنانية الحالية، هذه الحكومة تقدمت ببيان وزاري كبير ومهم وواضح ومحدد وتقدمت ايضاً بوعود مهمة وحساسة للبنانيين، الا انها بعد مضي كل هذا الزمن ثبت انها عاجزة وفاشلة وغير قادرة على الوفاء بوعودها، وعلى تحقيق أي انجاز يذكر بل نجد بأن الازمات بدأت تتفاقم على الصعيد السياسي والصعيد الاجتماعي والاقتصادي وعلى الصعيد الأمني والمالي وعلى الصعد المختلفة، والسبب الحقيقي في رأينا لعجز وفشل الحكومة أنها حكومة الفريق الواحد.

صحيح إن حركة أمل وحزب الله كانا يشاركان في هذه الحكومة، إلا أنه لم يتح لهما فعلاً المشاركة الجدية والفعلية لان الحكومة كانت مجرد أطار قانوني ظاهري لتمرير القرارات التي تؤخذ في اطار قيادي خارج الحكومة، وهي قيادة قوى الرابع عشر آذار، لبنان بتركيبته بتنوعه بطبيعته بخصوصيته لا يمكن أن يدار من خلال فريق واحد ولا يمكن أن يدار من خلال تحالف معين وتحل أزماته وخصوصاً في ظل أوضاع داخلية صعبة وإقليمية أصعب ودولية خطيرة جداً.

لذلك نحن دعونا وندعو إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية لأننا إذا أردنا أن نحافظ على استقلال لبنان وعلى سيادة لبنان ونمنع وقوع لبنان في ظل أي وصاية خارجية، لاننا اذا كنا نريد ان نثبّت دعائم الأمن والاستقرار والسلم الأهلي في لبنان، لاننا إذا كنا نريد التعاون الجدي لمعالجة الأزمة الاقتصادية الاجتماعية الخانقة لاننا إذا كنا نريد معالجة ازماتنا السياسية على قاعدة إعطاء فرصة التمثيل الحقيقي لكل التيارات والمجموعات اللبنانية والمشاركة الحقيقية في إدارة البلاد، لاننا إذا كنا نريد أن نعالج مختلف الأزمات ونواجه مختلف التحديات القائمة محلياً وإقليمياً ودولياً في هذه المرحلة يجب أن نتعاون وأن نتضامن وان تتضافر جهودنا وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال حكومة وحدة وطنية حقيقية.

عندما نتحدث عن حكومة وحدة وطنية نحن نتحدث عن التكامل والتضامن والتعاون والتكافل لا نتحدث عن الإلغاء ولا عن الشطب، ولا عن الاستئثار ولا عن التفرد.

في كل الأحوال وجدنا أن كل المساعي السياسية من خلال الحوار ومن خلال التفاوض ومن خلال التشاور اصطدمت بالحائط المسدود لإن الفريق الحاكم مصر على الاستئثار بالسلطة على خلاف المصلحة الوطنية الحقيقية ، وبالرغم من عجزه وفشله وعدم قدرته على تحقيق أي إنجاز وعلى أي صعيد.

لذلك لن يبقى أمامنا وأمام جميع القوى الوطنية المعارضة التي تنشد إيجاد صيغة قانونية دستورية كفيلة بمعالجة هذه الأزمات سوى التحرك الشعبي الضاغط لتحقيق هذا الهدف.

إذا كنا نريد أن نكون معاً لنحمي لبنان، لنعمر لبنان، لنشد أواصر الاخوة والمحبة والتعاون والمودة بين اللبنانيين، لنثبت دعائم الاستقرار لنعالج أزماتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية لنبني لبنان ليكون قلعة قادرة على مواجهة كل العواصف الآتية والقاسية في منطقتنا لا بد من تشكيل حكومة وحدة وطنية، لهذا الهدف نحن مدعوون جميعاً، انتم اللبنانيون مدعوون جميعاً من مختلف المناطق والاتجاهات والتيارات والساحات والأفكار والعقائد والأديان والمشارب المختلفة لتحرك شعبي سلمي حضاري نعبّر من خلاله عن قناعتنا وعن رؤيتنا وندفع الأمور سلمياً ومدنياً وسياسياً باتجاه هذا الخيار.

أنا بدوري أيضاً وبالنيابة عن حزب الله أدعوكم جميعاً للحضور والمشاركة في التجمع الجماهيري الشعبي السلمي والاعتصام المفتوح الذي سيبدأ بعد ظهر يوم الجمعة المقبل في وسط بيروت، في بيروت عاصمة لبنان التي يتسع قلبها لكل لبنان ولكل اللبنانيين، بيروت عاصمة العروبة والعرب التي يتسع قلبها وكان يتسع قلبها وسيبقى لكل قضايا امتنا، بيروت التي تحتضن أهلها وأبناءها وإحباءها الآتين من كل المناطق اللبنانية لتفخر بهم وتعتز بهم ولتعبر من خلالهم عن طبيعة الحياة السياسية الديمقراطية وقدرة اللبنانيين على التعبير عن آرائهم وان اختلفت وعن اتجاهاتهم السياسية المتفاوتة وان تناقضت.

يوم الجمعة نجتمع في بيروت، نلتقي في بيروت عاصمة لبنان وعاصمة العروبة وعاصمة المقاومة وعاصمة الوحدة الوطنية لندفع بلدنا باتجاه هذا الخيار الوطني هذا الخيار المنطقي هذا الخيار السليم إلى تلك الساحات إلى ذلك الموقع إلى هذا الهدف الوطني الشريف والنبيل نحن مدعوون لنلتقي هناك جميعاً من كل أنحاء لبنان من أجل لبنان وعزة وكرامة لبنان وقيامة لبنان ووحدة لبنان ومستقبل لبنان والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

المزيد...

١٩ نوفمبر ٢٠٠٦

كلمة السيد حسن نصر الله أمام أعضاء اللجان المعنية بالتحرك الشعبي في 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2006

هناك فريقان في البلد هما فريق السلطة وقوى السلطة، وفي الجهة الثانية قوى المعارضة أو تيارات المعارضة أو فريق المعارضة، هذا (هو) الاصطفاف السياسي الجديد. وبالتأكيد هذا الإصطفاف هو اصطفاف سياسي وهو ليس اصطفافا طائفيا أو مذهبيا. في فريق السلطة يوجد مسلمون ومسيحيون وفي فريق المعارضة يوجد مسلمون ومسيحيون. في فريق السلطة يوجد مسلمون ومسيحيون من كل المذاهب، وفي فريق المعارضة يوجد مسلمون ومسيحيون من كل المذاهب. أنا أشير إلى هذه النقطة لأن هناك محاولات حثيثة جدا لتحويل الاصطفاف السياسي القائم والأزمة السياسية القائمة إلى مواجهة طائفية أو مواجهة مذهبية. العنوان الأول: في طبيعة الحال، فريق السلطة من أجل أن يحافظ على مواقعه وعلى تمسكه بالسلطة وعلى رفضه للمطلب المحق لقوى المعارضة بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، لأن قوى المعارضة ماذا تقول؟ هي لا تقول: نريدكم أن تذهبوا إلى البيت، ولا تقول لا نريدكم شركاء ولا نريدكم في السلطة. وبالرغم من تقييم أداء فريق السلطة أثناء الحرب وقبل الحرب وبعد الحرب، نحن نتجاوز هذا التقييم، وكان خطاب قوى المعارضة: نحن نريد حكومة وحدة وطنية يشارك فيها الجميع. هم يرفضون تشكيلة حكومة وحدة وطنية يشارك فيها الجميع، لأنهم يريدون أن يبقوا ممسكين بالسلطة لأسباب أتحدث عنها لاحقا. ما هي الحجج؟ في طبيعة الصراع السياسي، يريد الطرف الآخر أن يهاجم قوى المعارضة ويوجه لها اتهامات. أحيانا، يوجه الاتهامات بالجملة لمجمل قوى المعارضة. أحيانا يتم التركيز على قوى معينة في قوى المعارضة لأنه لا يستطيع أن يوجه لها اتهامات شاملة. أنا سأحاول أن أركز بشكل أساسي على الاتهامات العامة التي نكون نحن جزء منها قبل الاتهامات الخاصة الموجهة إلينا بشكل مباشر. كل ما يوجه من اتهامات من قبل فريق السلطة هو جزء من حرب سياسية إعلامية واتهامات لا تستند إلى أي منطق ولا إلى أي دليل سوى للتهرب من الحقائق. وسأقول لماذا يركزون على هذه الاتهامات بالتحديد وخصوصا في ما يعني حزب الله ولاحقا المعارضة في شكل عام.

هناك قاسم مشترك بين الاتهامات التي توجه إلينا يتم توظيفه في مكان محدد. أول عنوان: الموقف من اتفاق الطائف، أن حزب الله أو قوى المعارضة هي تنفذ انقلابا على اتفاق الطائف، هذا كلام أولا ليس له دليل، وثانيا غير صحيح، وثالثا نحن ننكره، ورابعا نجدد القول نحن مع اتفاق الطائف وتنفيذ كامل بنوده. أنا أقول لك أنا أريد تنفيذ اتفاق الطائف وأنا أؤيد اتفاق الطائف وأنا أفضل منك.

التهمة الثانية، أن حزب الله، وهذا سخروا له مجموعة من الأقلام التي تكتب ب"المصاري"، حزب الله يريد اليوم إقامة دولته في لبنان، وبالتالي أن هذه المعركة القائمة حاليا هي معركة أن حزب الله يريد أن يقيم دولته ويفرض دولته على اللبنانيين. هذا كلام مضحك وسخيف. أولا، وبالاختصار نفسه الذي تحدثنا به، في لبنان لا يستطيع أي حزب أو فئة أو طائفة أو مجموعة مهما بلغت من المكانة أو القوة أو الإمكانات أن تقيم دولتها في لبنان بمنطق الواقع والتركيبة اللبنانية وحقائق التاريخ. ثانيا، نحن لا نريد ذلك. ثالثا كل سلوكنا السياسي منذ تأسيس حزب الله 1982 إلى اليوم يقول أننا نسير في الاتجاه الآخر، يعني دائما كان يقال لنا: أنتم منشغلون في المقاومة، تعالوا واهتموا بالمسائل السياسية الداخلية. لماذا تتجنبون الحياة السياسية الداخلية؟ وجودكم في الحياة السياسية الداخلية يعطيها غنى، يعطيها قرارا، ويزيدها تنوعا. نحن دائما، كنا ندير ظهرنا للحكومة والدولة والحياة السياسية الداخلية وقضيتنا الأساسية منذ عام 1982 كانت المقاومة، متى كان سلوكنا سلوك من يريد أن يقيم دولته في لبنان أو يفرض دولته على لبنان. لا أريد أن أتحدث عن سلوك الآخرين كيف كان في لبنان. من كان لديه كانتونات، وإدارات مدنية والذي لديه حكومات ذاتية، ومن لديه دكاكين وغير ذلك. أبدا، لم يكن سلوكنا هكذا على الإطلاق.

العنوان الثالث، أن حزب الله - هذا العنوان يختلف عن الثاني - يريد وضع يده على الحكومة، يريد أن يسيطر على قرار الحكومة، يريد أن يكون له حق الفيتو في الحكومة. هذا كلام أيضا غير صحيح. لنعد إلى الوراء قليلا، منذ العام 1982 لم نكن نفكر أن ندخل إلى الحكومة أصلا، حتى نفكر في يوم من الأيام أن نسيطر على الحكومة اللبنانية. إلى ما قبل العام 2000، لم يكن هذا الموضوع مطروح عندنا أصلا على النقاش. بعد عام 2000 أصبح مطروحا للنقاش، مع ذلك لم نطالب بحصة وزارية، لم نطلب الدخول إلى الحكومة، بل أكثر من ذلك، في الحكومة الأخيرة التي شكلها الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وبعدها الحكومة التي كاد أن يشكلها، وكذلك الحكومة التي كان سيشكلها الرئيس عمر كرامي بعد الاستقالة، كلاهما طلبا منا المشاركة في الحكومة. وهناك أحياء يشهدون على هذا، وكان جوابنا للرئيس الحريري ولاحقا للرئيس كرامي: لا نريد الدخول إلى الحكومة. هذا الكلام عام 2004، 2005 ،2003. نعم أول حكومة شاركنا فيها كانت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، لأنها كانت حكومة انتقالية وفي مرحلة حساسة في البلد، ودخلنا إلى حكومة الرئيس السنيورة لأن البلد دخل في مرحلة مصيرية جديدة لا يمكن أن نقف فيها على الحياد. هناك تحولات كبرى حصلت في لبنان، تحولات كبرى حصلت في المنطقة، فرضت علينا وألزمتنا أن ندخل إلى الحكومة، وإلا نحن لم نكن نطلب الدخول إلى الحكومة، ولم نكن نهوى الدخول، ولسنا طلاب سلطة ولا نبحث عن منصب. الظروف التي استجدت والتحولات الكبرى التي حصلت في لبنان هي التي فرضت على حزب الله أن يشارك في حكومة الرئيس السنيورة.

حتى في حكومة الرئيس ميقاتي نحن شاركنا بشكل غير مباشر من خلال شخصية مقربة. وكنا نستطيع أن نشارك في شخصية حزبية. هذا سلوكنا في موضوع الحكومة. لاحقا، من خلال تجربتنا داخل هذه الحكومة، عندما دخلنا إليها دخلنا على أساس اتفاق سياسي، ولم نتحدث لا على ثلث مشارك ولا عن ثلث ضامن ولا عن ثلث معطل، كانت هناك عناوين سياسية محددة تم الاتفاق عليها، لكن للأسف الفريق الحاكم الحالي نقض ما اتفق عليه، وهذا الأمر يحصل في الحياة السياسية. أنت تضمن نفسك لكنك لا تستطيع أن تضمن الآخرين. ووجدنا أنفسنا عمليا في داخل حكومة لا نستطيع أن نكون فعالين فيها ولا مؤثرين بما يخدم المصلحة الوطنية الكبرى. ونحن خلال وجودنا في هذه الحكومة، وهذا رئيس الحكومة موجود وهو يقول أنه منصف، هم يعرفون أن وجودنا في الحكومة كان بشكل أساسي طابع سياسي. لم نسع لتحقيق مكاسب حزبية ولا مكاسب فئوية ولا شخصية ولا مناطقية من خلال وجودنا في الحكومة، وإنما كان غرضنا الأساسي من خلال تواجدنا هو الموضوع السياسي المركزي الرئيس الاستراتيجي الذي سوف أتحدث عنه بعد قليل. حتى في طاولة التشاور نحن لم نطلب أننا نريد أن نزيد حصة حزب الله على الإطلاق، ولم نطلب أن نزيد حصة حزب الله وحركة أمل على الإطلاق، كل ما طالبنا به أن هناك قوى سياسية أخرى أساسية في البلد نتفق معها على أشياء ونختلف معها على أشياء أخرى، لكن نحن نرى أن وجودها في داخل حكومة وحدة وطنية يشكل ضمانة وطنية. أنا أريد أن أكشف أمامكم أكثر من ذلك: أنا قلت للأخ العزيز الحاج محمد رعد رئيس كتلة الوفاء للمقاومة الذي كان يمثل حزب الله أفضل وأصدق تمثيل في طاولة التشاور وللأخوة معه: إذا قبلوا بالمبدأ، يعني إذا قبل فريق السلطة بمبدأ حكومة الوحدة الوطنية، واتينا لنركب وأصبح هناك مشكلة في العدد قولوا لهم على الطاولة نحن جاهزون أن نسحب وزراء حزب الله من الحكومة لمصلحة مشاركة قوى سياسية أساسية أخرى في البلد، ونحن حاضرون أن نعطي الثقة للحكومة وندعمها ونحن خارجها. من يفكر بهذه العقلية هو لا يبحث لا عن حصة ولا عن منصب ولا عن سلطة ولا عن فيتو. هناك أمور أساسية نحن بحاجة أن نضمنها في لبنان. وجود قوى سياسية أساسية متنوعة في الحكومة يشكل ضمانة وأنا حاضر أن أخرج وليشارك الآخرون مكاني إذا كان هناك ضيق في المكان، وأنا يهمني النتيجة ولا يهمني أن أكون موجودا كحزب في ما يسمى بحكومة الوحدة الوطنية. إذا هذا أيضا اتهام لمجرد الاتهام، ليس له أي أساس من الصحة.

الإتهام الرابع، هو الأسخف مما ورد، أن الهدف من المواجهة السياسية الحالية هو خدمة الملف النووي الإيراني، هذا أسخف اتهام. كأنه إذا تغير رئيس الحكومة يمشي الملف النووي الإيراني. وإذا بقي رئيس الحكومة ذاته يعلق الملف النووي الإيراني. ما هذا الكلام؟ الملف النووي الإيراني تعالجه قوى كبرى في العالم، وفيه تداخلات دولية وإقليمية معقدة جدا. لبنان وحكومة لبنان وليس حكومة الوحدة الوطنية وليس حكومة هذا الفريق الحاكم، لبنان كله في قلب هذه المعمعة الدولية الكبرى ليس له مكانة، نأتي الآن ونربط التحرك السياسي في لبنان الذي يطالب بحكومة وحدة وطنية أن له علاقة بالملف النووي الإيراني.

الاتهام الخامس الذي هو سخيف ومضحك، إن التحرك السياسي الحالي في لبنان يتهدف إلى إكمال حلقات الهلال الشيعي. باعتبار أن بعض جماعة الأميركيين في المنطقة تحدث عن هلال شيعي يتشكل من إيران إلى العراق وسوريا ولبنان، وبعد ذلك نفوا أنهم قالوا ذلك. في كل الأحوال، هذا الكلام كله سخيف. تصوروا مثلا، نحن نطالب بدخول التيار الوطني الحر إلى الحكومة، ما علاقة هذا المطلب بالهلال الشيعي؟ كذلك نحن نطالب بدخول اللقاء الوطني اللبناني المتنوع، والذي صدفة لا يوجد فيه أي شيعي، ما هي علاقة ذلك بالهلال الشيعي أيضا؟ إذا طالبنا أن تدخل الأحزاب الوطنية اللبنانية التي بعضها علماني وبعضها قومي وبعضها شيوعي وبعضها اشتراكي وبعضها يساري وبعضها ناصري وبعضها إسلامي، أن تدخل إلى حكومة وحدة وطنية، ما علاقته بالهلال الشيعي؟ إذا انا أطلب أن هناك قوى إسلامية سنية وازنة موجودة في الساحة يجب أن تتمثل، وهناك رؤساء حكومات سابقين محترمين ولهم تمثيل كبير في البلد يجب أن يتمثلوا، ما علاقة هذا بالهلال الشيعي؟ لكن الكلام عن الهلال الشيعي هو كلام مقصود سنعود له بعد قليل.

العنوان الأخير الذي سأتعرض له في سياق التهم، والذي يظهر كأننا مصلوبون على الحائط نقوم بالدفاع عن أنفسنا، في الوقت الذي يحق لنا نحن أن نصلبهم على الحائط ونجعلهم يدافعون عن أنفسهم. موضوع أن هدف هذا التحرك هو تعطيل المحكمة الدولية. عندما حصلت الحرب وبعد الحرب حصل احتفال الانتصار والجدل السياسي في البلد لم تكن المحكمة الدولية مطروحة أصلا، كانت الناس تنتظر المسودة والمشاورات القائمة بين الدولة اللبنانية وبين مجلس الأمن الدولي. عندما تحدثنا قبل شهر رمضان في 22 أيلول أن شهر رمضان للتأمل وطالبنا في خطاب 22 أيلول بحكومة وحدة وطنية لم يكن أحد يتحدث عن المحكمة الدولية. وقلنا شهر رمضان فرصة للتأمل، وبعد شهر رمضان دولة الرئيس نبيه بري دعا لطاولة التشاور كمحاولة للم الوضع في البلد. هم استعجلوا مع مجلس الأمن ومع أصدقائهم الدوليين، استعجلوا مسودة المحكمة الدولية وأتوا بها إلى طاولة التشاور حتى يفجروا طاولة التشاور ويهربوا من الاستحقاق المنطقي والطبيعي بعد حرب كالتي حصلت في لبنان. وهو استحقاق تشكيل حكومة وحدة وطنية. الطاولة آتية لتناقش حكومة وحدة وطنية وقانون انتخاب. حتى هم فريق السلطة عندما أراد أن يضيف شيئا إلى الجدول لم يطلب بإضافة المحكمة الدولية وإنما طلب رئاسة الجمهورية. لأن موضوع المحكمة الدولية انتهى على طاولة الحوار وأخذنا قرار بالإجماع بالمبدأ، وأن على الحكومة اللبنانية أن تتابع هذا ألأمر مع الجهات الدولية المعنية. الموضوع منته وليس نقطة تحاور أو تشاور ولا نقطة نقاش، هم استعجلوا وأتوا به إلى الطاولة. ماذا حدث على الطاولة بالضبط؟ يوم الخميس، يوم الجمعة، يوم السبت الذي انتهى فيه التشاور ودخلنا في مرحلة جديدة. هنا يوجد تفصيل يجب أن يعرف الناس به: الذي حصل بدقة هو أنه نهار الخميس دخل أحد أقطاب فريق السلطة وطلب من دولة الرئيس نبيه بري ومن الأخ أبو حسن رعد وقال لهم يا إخوان أعطونا المحكمة الدولية وخذوا أكثر من الثلث المعطل؟ قيل له في تلك الجلسة وبعدها في الليلة ذاتها: يا أخي إذا كنت تتحدث عن المبدأ، المبدأ نحن أجمعنا عليه في طاولة الحوار. وعندما تأتي المسودة على مجلس الوزراء نحن وزراء أمل وحزب الله يعدون بأنهم سيناقشون هذا الأمر بكل إيجابية وجدية وعلمية وموضوعية وتسهيل، وإذا أنت غير مكتف بهذا الكلام من ممثلي حزب الله نحن حاضرون أن نؤمن لقاء وتسمع هذا الكلام مباشرة من السيد حسن، وهذا ليس له علاقة بالمقايضة. نحن نطالب بحكومة وحدة وطنية لأنه مطلب لبناني محق ومطلب دستوري وسياسي وأخلاقي وديموقراطي، وهذا مخرج لإنقاذ البلد. هذا موضوع آخر، لكن نحن جاهزون للذهاب به إلى الآخر. ثاني يوم الجمعة، قالوا أن هناك مسودة ستأتي، على الرغم أن الكلام السابق كان يتحدث عن أن مسودة المحكمة ستأتي بعد شهر أو شهرين، استعجلوا وجاؤوا بالمسودة. أعطونا المسودة يوم الجمعة، بمعزل أن تكون هذه المسودة نوقشت بشكل قانوني ودستوري، أعطيتنا إياها يوم الجمعة، وحتى نترجمها ونعطيها لقانونين ونتناقش نحن وأمل بالحد الأدنى لنعطي رأينا، إذا أردت أن نعطي رأينا بهذه المسودة فكيف تضعها على جدول أعمال مجلس الوزراء يوم الاثنين وتفاجئنا يوم السبت أنك وضعتها على الجدول في جلسة استثنائية يوم الاثنين؟ يعني هذا أنك لا تريد مني أن أناقش بشكل موضوعي وعلمي وأبحث عن ضمانات العدالة في مسودة المحكمة الدولية، أنت تريد أن تجيء بي يوم الاثنين أو يوم الخميس أو الوقت الذي تريد وتقول لي: "هذه المسودة يا بتوافق عليها يا لا توافق". وإذا ناقشتك أكون أعطل المحكمة الدولية؟ نحن قبلنا أن نستلم المسودة وأخذناها يوم الجمعة، فأعطونا بضعة أيام؟ هذا الموقف مشابه لما حصل في الاثنين والخميس أيام الاعتكاف. مع ذلك نحن لم نستقل من الحكومة بسبب هذه الحادثة. الذي حصل بدقة، نحن نتناقش كيف نريد أن نكون إيجابيين ومتعاونين في موضوع المحكمة الدولية وهذا القطب يقول لنا أنا حاضر أن أمشي في حكومة الوحدة الوطنية يوم السبت وطبعا قبل يوم السبت، كان هناك اتجاه آخر في فريق السلطة. هناك أقطاب في فريق السلطة كان لديهم استعداد أن يقايضوا حكومة الوحدة الوطنية برئاسة الجمهورية، وهناك أقطاب آخرون في فريق السلطة يريدون أن يقايضوا حكومة الوحدة الوطنية بالمحكمة الدولية. لكن الجمعة في الليل، جاءت "التعليمة": "لا تقايضوهم على شيء". نحن لا نريد أن نقايض، من قال لك نحن نريد أن نقايض؟ من قال أننا نحن موافقون على أن نقايض حكومة الوحدة الوطنية بانتخابات رئاسية مبكرة؟ هذا لم نقبل به على طاولة الحوار. من قال لك أننا موافقون أن نقايض حكومة الوحدة الوطنية بالمحكمة الدولية؟ حكومة الوحدة الوطنية مطلب محق والمحكمة الدولية مطلب مستقل آخر، نحن قبلنا به وجاهزون للتعاون. جاءت "التعليمة"، سأتحدث اليوم على المكشوف لأني أريد أن يعرف اللبنانيون كلهم هذه الوقائع، جاءت "التعليمة" من السفارة الأميركية في بيروت، هذا ليس افتراء، ولدينا معلومات ومن أكثر من مصدر. قيل لهم "السياسة الأميركية لم تتغير ومهما حصل في الانتخابات لا تصغوا إلى ما يقال عن اتصالات على مستوى المنطقة، نحن معكم ونطلب منكم أن لا تتنازلوا على الإطلاق". جاؤوا يوم السبت، وقال أحدهم "لقد قرأنا في الصحف عن المقايضة غير الأخلاقية"، صحيح، غير أخلاقية لكن لسنا نحن من طرحها، أصحابك هم من تحدثوا بها. وللأسف الشديد الذين طرحوا المقايضة غير الأخلاقية تنكروا لها واستنكروها لاحقا. هنا، تكتشفون المستوى السياسي الموجود في البلد والذي نتعاطى معه. نحن أمام فريق سياسي في السلطة، يمكن أن تجلس معه عشر ساعات وعشرين ساعة وتشكل طاولة حوار وطاولة تشاور، لكن المشكلة أنك تحاور، بكل صراحة، وتشاور وتناقش وتتفق مع من لا يملك قراره بيده. هذه المعضلة السياسية الجديدة اليوم، والمؤسف أن هذا هو الواقع في ظل دولة السيادة والحرية. عندما يوم السبت، يقال نحن الأكثرية ونحن معنيون بالقرارات السياسية الكبرى، لا نريد تشكيل حكومة وحدة وطنية فيها ثلث ضامن أو معطل أو مشارك. واحد يقول لك أنا لا أريدك شريكا. أنا لا ادخل إلى الحكومة حتى أكون شريككا لا في الوظائف ولا في المدراء ولا في المشاريع وأنت تعرف أني لم أدخل مشاركا في هذه المسائل، نحن داخلون إلى الحكومة لنكون شركاء في القرار السياسي الكبير.

نحن نطالب بقوى سياسية أخرى أن تكون مشاركة في القضايا السياسية الكبرى التي لها علاقة بالسياسة الاقتصادية، لها علاقة بالأمن، لها علاقة ببناء المؤسسات وقانون الانتخاب، لها علاقة بحفظ العملية الديموقراطية وعدم تحويلها إلى ديكاتورية مقنعة، لها علاقة بحماية البلد، لها علاقة بإعمار البلد، لها علاقة بحرية البلد... لكن الجماعة غير جاهزين. لذلك، كان خيارنا الطبيعي هو الاستقالة. هذا هو سبب الاستقالة، الموضوع ليس له علاقة بالمحكمة الدولية. لو كان له علاقة بالمحكمة الدولية، أنا أقول لهم من الآن، شكلوا حكومة وحدة وطنية وجربونا، وأتوا بمسودة المحكمة الدولية على حكومة الوحدة الوطنية وجربونا، إذا عطلنا أو عرقلنا افضحونا أمام الناس، ولو فعلنا ذلك فأنتم الأكثرية في مجلس النواب تستطيعون أن تسقطوا هذا الحكومة ساعة تشاؤون.

هذه هي مجموعة الاتهامات التي يتم التركيز عليها بشكل كبير، وهي اتهامات كلها واهية وظالمة وكاذبة وغير صحيحة، لكن ما هو الهدف من هذه الاتهامات، وما هو القاسم المشترك فيها؟ هنا سوف أتحدث قليلا بشفافية لأننا في مرحلة مصيرية في البلد لا تحتمل المجاملات.

فريق السلطة اليوم، هو في حالة ضعف ووهن، وأنا هنا لا أكابر، وطبعا هم بصراحة يشعرون بهزيمة نكراء بسبب ما حصل في الحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل على لبنان، والتي كانوا يراهنون من خلالها انها سوف تقضي على المقاومة، وتغير المعادلات بالحد الأدنى الداخلية والمحلية لمصلحتهم فيقومون هم لاحقا بالانقضاض على بقية قوى المعارضة وإحكام السيطرة على لبنان. هذا المشروع فشل وسقط، وكل الذين تحدثوا بعد انتهاء الحرب عن الهزيمة إنما كانوا يتحدثون عن هزيمتهم هم. الذين تحدثوا عن الكارثة يتحدثون عن الكارثة السياسية التي حلت بهم هم ، وإلا هم لا يتألمون لا على بيوتنا التي دمرت ولا لنسائنا وأطفالنا التي قتلت وذبحت في لبنان. لأنهم هم كانوا يرفضون وقف إطلاق النار إلا في إطار حل شامل، وهذا موجود في التلفزيونات والإذاعات والصحف. أقطاب فريق السلطة، كانوا يقفون ويقولوا: نحن نريد وقف إطلاق نار في إطار حل شامل. يعني أنهم يريدون لبنان والمقاومة تبقى تفاوض تحت الضرب والقصف والقتل. الذي يحب شعبه، الذي يهتم للدماء وللأطفال وللبنية التحتية وللبيوت وللمدن وللقرى يبذل كل جهده من أجل وقف العدوان بمعزل عن أي قيد أو أي شرط. هم كانوا يضعون الشروط علينا. مع ذلك، نحن لسنا آتين لنتحاسب وإنما نقول عفا الله عما مضى . إذا عندما يتحدثون عن هزيمة، هم المهزومون. وعندما يتحدثون عن كارثة، يتحدثون عن الكارثة السياسية التي حلت بهم. عندما ندخل إلى هذا الفريق، فريق السلطة وحساباته ووهمه، أحجامهم معروفة، هذا الحزب ما هو حجمه وعندما يحشد معروف كما يحشد ناس، وهذه المجموعة كما حجمها، وهذه كم هو حجمها الانتخابي وهذه كم حجمها السياسي. لذلك فريق السلطة يرى نفسه في موقع إذا أراد أن يدافع عن نفسه، ليس أمامه سوى خيار وحيد وهو أن يتترس اليوم في لبنان بالطائفة السنية الكريمة. وبعض هؤلاء اعتادوا في حروبهم العسكرية وفي حروبهم السياسية أن يقاتلوا بأبناء الطوائف الأخرى. اليوم الأمل الوحيد، وأنا من خلال هذا الكلام أريد أن أخاطب اللبنانيين، كما أريد أن أخاطب، لأن تركيبتنا في لبنان للأسف هكذا، أريد أن أخاطب إخواننا وأحبائنا وأعزائنا أبناء الطائفة السنية. اليوم، قوى السلطة خيارها الأخير وسلاحها الأخير هي أن تترس وتتمترس وتقاتل بهذه الطائفة. لذلك، كل الخطاب الماشي الآن في البلد، هو خطاب مذهبي وليس خطابا طائفيا.

هل هناك أحد يتحدث عن مسلم - مسيحي ؟ لا. مع العلم أنه في المعارضة يوجد مسيحيون ومسلمون وفي السلطة يوجد مسلمون ومسيحيون. كل الخطاب في البلد يحاولون أخذه في اتجاه شيعي - سني والذي يتحدث فيه ليس من الشيعة ولا من السنة، ولكن يأخذون البلد في هذا الاتجاه. يأتي الخطاب السياسي اليوم، وتوظف له أقلام وتوظف له عمائم أيضا تتحدث لغة مذهبية واضحة وصريحة جدا، عندما تهاجم طائفة أخرى؟ هذا لمصلحة البلد؟ هذا منطق وطني أو منطق مذهبي؟ عندما يأتون اليوم في الخطاب السياسي ويقولون أن اتفاق الطائف أعطى مكسبا سياسيا مهما للسنة في لبنان، فيصور التحرك السياسي اليوم هدفه الانقلاب على الطائف من أجل نزع المكسب السياسي الذي حصل عليه السنة في لبنان من اتفاق الطائف. هذا كذب. نحن مع اتفاق الطائف، نحن مع الصلاحيات التي أعطاها اتفاق الطائف للحكومة اللبنانية التي يرأسها بحسب العرف الطائف اللبناني مسلم سني، وتريدون أن نحلف لكم يمينا جاهزون لذلك. "خلصونا من هذا الكذب والافتراء". كل شيء يثير السنة في لبنان يحدثونهم عنه... اليوم كل قوى المعارضة تصبح شيعية والهدف من التحرك هو ضرب أهل السنة في لبنان من خلال اتفاق الطائف، من خلال إقامة حزب الله لدولته، من خلال المحكمة الدولية، من خلال الملف النووي الإيراني، من خلال كل هذه الأكاذيب التي يحاولون نشرها. هذا غير صحيح على الإطلاق. هذا الجوهر، يعني لماذا هم يسوقون هذه الاتهامات، حتى أن بعض هؤلاء الزعماء السياسيين الذين لا ينتمون إلى الشيعة أو السنة ذهبوا إلى بعض الدول الخليجية العربية وقالوا للملوك والأمراء هناك، عليكم أن تتداركوا ما يحصل في لبنان- اسمعوا ملا سخافة جديدة - أن حزب الله يعمل في لبنان على تحويل السنة إلى شيعة. وطبعا، لأن الكذاب عادة لا يكون موفقا في كذبته، المثل الأول الذي قدم لهم، قال لهم: "والدليل ما يحصل في عكار". في كل الأحوال، أنا أحببت أن أتحدث بهذه الشفافية لأننا في مرحلة حساسة ولا نستطيع أن نخفي الأمور. هناك محاولة لتقديم الصراع السياسي أو المواجهة السياسية أو الأزمة السياسية القائمة في لبنان وكأنها بين الشيعة والسنة، وهذا غير صحيح على الإطلاق.

وأيضا من الخطأ تقديم الشيعة كأنهم جميعا في موقع واحد، أو السنة كأنهم في موقع واحد على المستوى السياسي. هناك قوة سنية وطنية، هناك قوى سنية إسلامية، هناك شخصيات سنية وطنية، هناك شخصيات سنية إسلامية، شرائح سنية واسعة جدا خيارها ليس خيار فريق 14 شباط ولا فريق السلطة الحالية، وأن كان هؤلاء الآن يتعرضون للتنكيل بسبب خيارهم السياسي. ويمكن أن تصدر شائعة غدا أن فلانا عالم الدين أو فلان القائد السياسي أو فلان رئيس الحكومة السابق يقال له أنت لم تعد سنيا أنت أصبحت شيعيا نتيجة خيارك السياسي. هذا ظلم كبير. لكن للأسف الشديد، أن من لا يتورع، من لم يتورع في السابق عن ارتكاب الجرائم وارتكاب المجازر وأخذ لبنان إلى الحرب الأهلية لم يكن لديه مشكلة في إثارة نعرات وحساسيات وأكاذيب وأضاليل من هذا النوع. نحن في لبنان، حزب الله خياره خيار وطني، خيار سياسي، خيار قومي واضح وليس خيارا طائفيا. اليوم نحن في لبنان في صلب المعركة التي يخوضها الشعب الفلسطيني وحركات المقاومة في المنطقة في مواجهة المشروع الأميركي - الصهيوني. هذا ليس نقاشا شيعيا - سنيا، هذا موضوع وطني قومي إسلامي، موضوع يعني كل عربي وكل لبناني وكل مسلم. في الحقيقة التركيز على هذه الاتهامات هذا سببه، هدفهم أن يأخذوا الأمور في هذا الاتجاه. العنوان الثاني، ما هو تشخيصنا للمشكلة الحالية وما هو الهدف الذي نريد أن نصل إليه؟ نحن بكل بساطة نعتقد أن الحكومة الحالية حتى عندما كنا فيها وبشكل أكيد بعد أن خرجنا منها، هذه الحكومة لا يمكن ائتمانها على القرار السياسي الأساسي في لبنان. هذا ليس من باب التخوين، لأن هذه الحكومة مشكلتها الرئيسية أنها تلتزم بقرارات وإملاءات الإدارة الأميركية التي ترسل لنا كوندوليزا رايس يوما ويوما ترسل لنا والش وفي أغلب الأحيان تكتفي بالسفير فيلتمان. هذا بالنسبة لنا يقينا. اليوم لا يوجد في لبنان حكومة وطنية وإن ادعت الوطنية ولا حكومة سيادة وإن ادعت السيادة ولا حكومة استقلال وأن ادعت الاستقلال. وأنا في وقت ثان أستطيع أن أقدم مجموعة شواهد عن أمور كنا نتناقش فيها ونتفق عليها ثم يخرجون من الاتفاق بدعوة وحجة أن الأميركيين لم يوافقوا. هذه الحكومة لا تستطيع أن تأتمنها على البلد على القرار السياسي لا أثناء حرب ولا بعد حرب ولا بإعمار ولا بسياسة اقتصادية. في الموضوع الاقتصادي خلال 15 سنة، فريقنا الذي كان يدير الوضع الاقتصادي، حزب الله الذي كان يدير الوضع الاقتصادي؟ في الزمن السابق كانت الملفات موزعة، الذين كانوا يديرون البلد كانوا موزعين ملفات: المقاومة يقومون بها جماعة المقاومة، الملفات الأمنية عند الأجهزة الأمنية، الملفات الإقتصادية يوجد فريق هو المعني بالملف الاقتصادي. في الحد الأدنى، الملف الاقتصادي إما كان في يدكم بشكل كامل أو بشكل أساسي، نحن كنا خارج هذا الموضوع. نحن الآن أمام حكومة من هذا النوع، لا نعرف إلى أين تأخذ البلد تجتمع وتأخذ قرارا سواء كنا موجودين أم لم نكن. نعم في فترة الحرب، اجتمعت الحكومة وحاولت أكثر من مرة أن تأخذ قرارا في تحويل منطقة جنوب الليطاني إلى منطقة منزوعة السلاح، لكن هم يعرفون أن هذا الموضوع لا يحل بأكثرية الثلثين، هذا ليس موضوع تصويت في الحكومة.

بأكثر من جهد ومحاولة في الحكومة، حاولوا أن يجعلوا مهمة الجيش اللبناني الصاعد إلى جنوب الليطاني هي مهمة نزع سلاح المقاومة، وهم يعرفون أن هذا القرار حتى لو صوتوا عليه لا يستطيعون تنفيذه. لكن هؤلاء ليس لديهم أي مانع أن يجتمعوا وأن يصوتوا بأكثرية الثلثين. هناك قرارات نحن منعناها ليس بسبب وجودنا القانوني الدستوري في الحكومة وإنما بسبب تهيبهم هم من تبعات اتخاذ أو تنفيذ قرارات من هذا النوع. لذلك بكل بساطة اليوم نحن نقول يا إخوان تعالوا لنحل المشكلة في البلد. نعود لنتحدث بهدوء من أول وجديد، لسنا آتين للمحاسبة، نحن لا نريد أن نحاسب، تريدون محاسبتنا تعالوا وحاسبونا، نحن لا نريد أن نحاسب. كل شيء حصل قبل الحرب وبعد الحرب ضعوه جانبا، نتحدث بنفس هادئ وعندما ذهبنا إلى التشاور قلنا الشيء نفسه: أمامنا خيارين للخروج من المأزق السياسي الموجود في البلد، تفضلوا إما نؤلف حكومة وحدة وطنية تشارك فيها القوى السياسية الأساسية في البلد مشاركة حقيقية وليست شكلية، هذا خيار لا زال متاحا، والخيار الثاني، انتخابات نيابية مبكرة. الستم تقولون أنكم أكثرية شعبية؟ فلنلجأ للشعب. لا أحد يتكلم عن سلاح، ولا أحد يتحدث عن شغب، ولا أحد يتحدث عن انقلاب، ولا أحد يتحدث بثورة شعبية ولا أحد يتحدث عن تمرد... وكل شيء نقوله لكم بشكل هادئ جدا، اليوم ما هو المشكل في البلد؟ أنتم حكومة ونحن معارضة، هذا الوضع سوف يستمر إذا أنتم مصرون أن تكملوا بهذه الطريقة، هناك خياران سياسيان إما أن نشكل حكومة وحدة وطنية جامعة وإما أن نلجأ إلى الشعب اللبناني في إطار انتخابات نيابية مبكرة لمعالجة الأزمة القائمة. هذا كلام سياسي سلمي ديموقراطي دستوري، وهذا هو هدفنا. هدفنا إما أن تقوم حكومة وحدة وطنية حقيقية في لبنان، وهذه الحكومة هي التي تضمن الوطن، هي التي تضمن أن تتخذ قرارات صحيحة في كل الملفات والمسائل الحساسة والمصيرية، أو أن تقوم انتخابات مبكرة في لبنان، يعني التحرك السياسي الشعبي هذا هو هدفه، لا هدفه تغيير الطائف، ولا هدفه تغيير النظام، ولا هدفه احداث انقلاب سياسي جذري في البلد، على الإطلاق. هدف التحرك السياسي الشعبي هو هدف تحت سقف الدستور، تحت سقف النظام، تحت سقف القانون، وهو هدف متواضع جدا: إما إقامة حكومة وحدة وطنية جدية وإما إجراء انتخابات نيابية مبكرة. هذا الهدف واضح. يبقى هناك إشكال وهي تهمة أنا تركتها للآخر لأناقشها في إطار الهدف، وهي أنتم عندما تقولون أنكم تريدون حكومة وحدة وطنية ومشاركة جدية أنتم تريدون إرجاع الوصاية السورية على لبنان، وهذه أكبر تهمة هم يركزون عليها، وزادوا عليها الوصاية الإيرانية، رغم أن الإيرانيين لا يتدخلون ولا يناقشون، والإيراني يتطلع إلى الموضوع من خلال المنطقة والشرق الأوسط الكبير والصراع الكبير الموجود في المنطقة، ويمكن الآن هناك محاولة لإدخال الإيرانيين في المعالجات، لكن الإيراني لم يعرض نفسه حتى يعمل وسيطا أو يتدخل في الملف. عل كل حال، الإيراني بعيد، أبقوه بعيدا. تتحدثون بالوصاية السورية، نحن نقول: نحن لسنا قوى الوصاية السورية ولا قوى الوصاية الإيرانية. لكن اليوم، أريد أن أتنازل، فلنفترض كما تقول، نحن قوى المعارضة، بعضها بالحد الأدنى، تقولون أنها تريد أن تجلب الإملاءات السورية على الحكومة اللبنانية، ونحن نقول عنكم أنتم تجلبون الإملاءات الأميركية على الحكومة اللبنانية، ولن نقول أكثر من الأميركية. إذا شكلنا حكومة وحدة وطنية، وجودكم في الحكومة سيمنع الإملاء السوري، ووجودنا في الحكومة كقوى معارضة سوف يمنع الإملاء الأميركي وبالتالي سيفرض على حكومة الوحدة الوطنية أن تأخذ قرارات وطنية صحيحة.

المعارضة غير آتية لتقول: إذهبوا إلى منازلكم، نحن نريد أن نحكم حتى تقولوا لنا نحن نريد أن نعيد سوريا لتحكم، ولكن لا نقبل أيضا- طبعا بالوسائل الحضارية الدستورية السلمية- أن تبقوا أنتم حاكمين البلد لأنكم حكومة أميركية. إذا بدك حكومة وطنية، الحكومة الوطنية في ظل المعطيات الداخلية والإقليمية والدولية والهواجس والمخاوف والظروف والصعوبات والتحديات القائمة تتحقق فقط، فيما لو قامت حكومة وحدة وطنية تشارك فيها القوى السياسية الأساسية في البلد، ومشاركة الجميع الجدية هي التي ستحول دون خضوع لبنان لأي إملاءات خارجية سواء كانت إملاءات من أصدقاء أو إملاءات من أعداء، هذا هو طرحنا، تفضلوا لنسير به، وستجدون أننا في المسائل الأساسية التي تخدم المصالح الوطنية لن نختلف. كل ما نبحث عنه هو شراكة وطنية جدية. وأختم في هذا الهدف وأقول، وإذا توقف قيام حكومة وحدة وطنية جدية حقيقية، المكان والتركيبة، بسبب الوضع الطائفي والمذهبي والعدد لم يساعد، إذا تواجدت القوى السياسية الأساسية في داخل هذه الحكومة بما يضمن مشاركة جدية أنا أقول لكم ليس هناك داع لأن يكون هناك وزراء من حزب الله في هذه الحكومة، ونحن جاهزون أن نعطيها الثقة وندعمها ونساعدها لتنجح. قوى السلطة حتى الآن لا تزال تمانع، برأيي بعض هذه القوى سوف يبقى يمانع، بعضها لأسباب داخلية. هناك قوى سياسية خصوصا في الوسط المسيحي لو قدر أن تتشكل حكومة وحدة وطنية وأن يشارك فيها التيار الوطن الحر وقوى مسيحية أخرى سوف ينكشف حجمها الحقيقي وسوف يبدأ التحول من معسكرها إلى المعسكرات الأخرى. لذلك حساباتها الحزبية والفئوية لا تسمح لها بأن تقبل بحكومة وحدة وطنية، على سبيل المثال. وهناك قوى أساسية ملتزمة مع الإدارة الأميركية وهي تعرف أنها في إطار حكومة وحدة وطنية لا تستطيع أن تفي بالتزاماتها مع الإدارة الأميركية، ولذلك هي لا تقبل. هذه هي المعضلة الحقيقية. نحن نقول وعلى الملأ، نحن ليست لدينا التزامات مع أحد، ولا أمام احد، ولا نبحث عن حجم ولا عن حصة ولا عن موقع، أتحدث عن حزب الله بالتحديد. كل ما نريده هو أن يكون هناك حكومة وطنية في لبنان لا تأخذ لبنان ليصبح اداة أميركية وأداة إسرائيلية، وكذلك لا أداة سورية أو إيرانية أو سعودية أو كويتية أو فرنسية أو روسية... العنوان الأخير، التحرك. طبعا كل التحريض الذي يحصل اليوم على الموضوع المذهبي، واحد من أسبابه في الحقيقة إيجابية لنا، فهم يعرفون أننا نحن في لبنان نتيجة محبتنا وإيماننا بالوحدة ألإسلامية وبالوحدة الوطنية ونتيجة اهتمامنا بهذه النقطة ليس فقط على المستوى اللبناني وإنما على مستوى العالم العربي والعالم الإسلامي يعتبرون أن هذه النقطة توجعنا فيضغوطنا بها، إذا كنتم ستقومون بأي تحرك، أي حركة شعبية في الشارع ستؤدي إلى فتنة مذهبية.

أنا أحببت أن أتحدث بهذه الشفافية لأقول: كل اللبنانيين مسلمين ومسيحيين شيعة وسنة ودروز هم معنيون بأن لا يسمحوا للخلاف السياسي أو الصراع السياسي أن يأخذ البعد المذهبي لأنه في البعد المذهبي يخسر الجميع. نحن في مشكل سياسي فدعونا في مشكل سياسي، مختلفون على عناوين سياسية ليس لها علاقة بالموضوعات المذهبية. دعوا خطابنا سياسيا. في المقابلة التلفزيونية الأخيرة، أنا قلت أن بعد الطاولة التشاور التي كان من المفترض أن تنتهي يوم الاثنين وانتهت يوم السبت، تبدأ ساعة الصفر للتحرك من أجل المطالبة بحكومة وحدة وطنية، وأن هذا مطلبا جديا، هناك التباس حصل عند فريق السلطة، هم متصورون أن كل الحركة التي قمنا بها والصوت العالي الذي رفعناه هو فقط مجاملة لأصدقائنا في قوى المعارضة نتيجة وقوفهم معنا في مرحلة الحرب، وإلا فإن هذا الهدف ليس هدفا جديا، وإن ما يطرحه حزب الله وحركة أمل هو فقط من قبيل الوفاء الأخلاقي للقوى السياسية المعارضة نتيجة موقفها في الحرب. وهذا كان خطأ في الفهم عند فريق السلطة. صحيح أنه يوجد موضوع أخلاقي، لكن ما فوق هذا الموضوع هو موضوع أخلاقي أكبر يعني لبنان كله والشعب كله وموقع لبنان في المنطقة اسمه: مصير ومستقبل القرار السياسي الكبير في هذا البلد كيف تتم ضمانته، ولذلك نحن طلاب حكومة وحدة وطنية. كان يمكن، البعض يتوقع أن خطوة استقالة الوزراء ستأتي لاحقا بعد الاحتجاجات الشعبية، لكن ما جرى على الطاولة يوم السبت والطريقة التي تعاطوا هم بها في التشاور والخطاب الصريح الذي قالوه لنا أنهم هم أكثرية وهم معنيين بالقرارات السياسية الكبرى، وبالتالي مقبولة مشاركتنا في إطار شكلي، دفعنا بعد نصف ساعة من انتهاء الحوار أو ساعة نتيجة التشاور القائم بين قيادتي أمل وحزب الله إلى اتخاذ موقف موحد وأعلنا استقالة وزرائنا من الحكومة اللبنانية الحالية. كانت هذه الخطوة الأولى، وفي الحقيقة نحن بدأنا قبل الاثنين. نحن قلنا سنبدأ بعد الاثنين، لكن أحيانا نحن نفي قبل الموعد أيضا. ليس هناك شك أن خطوة الاستقالة كانت خطوة كبيرة جدا على المستوى السياسي وهي أهم وأكبر من عشرات التظاهرات التي يمكن أن تنزل إلى الشارع يومها من حيث نتيجتها السياسية لأن أهم نتيجة سياسية لها بحسب رأي رؤساء الحكومات السابقين الذين هم شخصيات محترمة ورجال دولة ورئيس الجمهورية وخبراء دستوريون ورجال قانون أن هذه الاستقالة الجماعية تسقط الشرعية الدستورية عن الحكومة الحالية. طبعا، هناك بعض الأساتذة نظروا وتحدثوا أن هذا لا يفقد الحكومة الشرعية الدستورية، لكن طلابهم في الجامعات قالوا لنا أن هذه المسائل نفسها قبل سنة أو سنتين سمعناها من هؤلاء الأساتذة وقالوا أن هذه تفقد الشرعية الدستورية للحكومة. اليوم العلم والدستور أصبح خاضعا للهوى السياسي. حتى وزراء امل وحزب الله نحن عندما استقلنا لم نقل في بياننا أننا باستقالتنا نفقد الشرعية الدستورية للحكومة، الخبراء هم من قالوا ذلك. اليوم نحن أمام حكومة بحسب الخبراء الدستوريين فاقدة للشرعية وللدستورية، وبالتالي ما يصدر عن هذه الحكومة من قرارات هي غير دستورية، وما ترسله هذه الحكومة من مشاريع قوانين إلى المجلس النيابي هي مشاريع قوانين غير دستورية، وهذا يضع البلد أمام خيار جدي. نحن لا نريد أن يستمر هذا الوضع. إذا هناك خطوة انجزت هي الاستقالة. هناك خطوة ثانية الآن هي قائمة وهي الاصطفاف السياسي لقوى المعارضة، حيث بدأت تستنهض صفوفها وتعبر عن موقفها وهناك فرز سياسي بدا واضحا في البلد بين سلطة ومعارضة، بين خطاب سلطة وخطاب معارضة. هناك خطوات لاحقة، المعارضة تتشاور في ما بينها، هناك تواصل، قوى المعارضة على اختلاف تشكيلاتها منذ انتهاء طاولة التشاور هي على تواصل دائم ونقاش دائم وتشاور دائم، واي خطوة لاحقة لها علاقة بالشارع وبالاعتصام أو بالإضراب أو يمكن في يوم من ألأيام بالعصيان المدني سوف تتخذ بالتوافق بين قوى المعارضة، لا يستطيع حزب أو تيار أو مجموعة لوحده أن يأخذ قرارا ويتحرك ويقول للآخرين الحقوا بي، هذا خطأ هذا غير صحيح.

اليوم يوجد سلطة في وجه معارضة وطنية، وهناك قوى عديدة في هذه المعارضة تتفق على أهداف واضحة وعريضة. هذه القوى سوف تتعاون في ما بينها لتقرر الخطوات اللاحقة. خطوة الاستقالة من الحكومة كانت تعني بالدرجة ألأولى أمل وحزب الله، ولم تكن بحاجة إلى التشاور مع بقية قوى المعارضة لأن هذا كان مطلب قوى المعارضة منذ سنة ونصف. لكن الخطوات اللاحقة سوف تقوم على أساس التشاور والاتفاق والتعاون بين مختلف قوى المعارضة. لدينا خيار الشارع، بمعنى خيار التظاهر. وفي هذا الموضوع أريد أن أضعكم في مجموعة ملاحظات وضوابط لكم ولكل إخواننا وأخواتنا في حزب الله وكذلك لكل أصدقائنا، لأن هذه ضوابط عامة لا يوجد خلاف عليها حتى على مستوى قوى المعارضة وكل واحد من موقعه يقولها. بالنسبة إلى موضوع الشارع، يجب أن نكون جميعا جاهزين للنزول إلى الشارع على المستوى النفسي والمعنوي، عارفين لماذا نريد أن ننزل إلى الشارع، وأن هذه وسيلة من وسائل التحرك المطلوبة ويجب أن نكون مستعدين نفسيا، لأنه يبدو بحسب نقاشنا في ما بيننا كقوى معارضة، يمكن أن لا ندعو إلى التظاهر قبل عدة أيام أو أسبوع، يمكن أن ندعو قبل 24 ساعة أو حتى قبل 12 ساعة أو ستة ساعات، ولا نريد أن نجهز ، بدنا نكون جاهزين. وبالتالي هذه أول نقطة فيما يعني الجهوزية. النقطة الثانية، نحن نصر على تعاون أكيد وتنسيق مع كل قوى المعارضة، كل قوى المعارضة، يجب أن نتفق مع بعض وننزل على الشارع مع بعض. يجب أن يكون هناك معارضة وطنية في الشارع. تحركنا هو تحرك سلمي حضاري مدني، ونحن عندنا سوابق وهم لديهم سوابق، نحن عندنا سوابق، نحن بكل بساطة نستطيع أن ننظم تظاهرة فيها مليون أو احتفال فيه مليون من دون أي "لكشة" من دون أن يحصل أي اشكال بسيط أو صغير وبالتعاون مع قوى سياسية وخضنا أكثر من تجربة من هذا النوع. وهم في بعض الأحيان، خاضوا تجربة جيدة على هذا الصعيد واستطاعوا أن ينظموا تجمعات ضخمة لم تحصل فيها مشاكل، وهذه إيجابية تشكل لكل الشعب اللبناني، لكل فئاته، لكل شرائحه. نحن نريد أن نؤكد على الطابع السلمي المدني الحضاري لتحركنا. لا نريد شغبا، لا نريد تضاربا، نريد احترام الممتلكات الشخصية والعامة. لا نريد أن نسمح بأي تصادم، حتى مع الشارع الآخر، عل كل حال هم عندما هددونا بالشارع الآخر، دليل ضعف. للأسف الشديد هم كانوا يقولون عن حكومة الرئيس كرامي أنها حكومة وصاية وحكومة الأجهزة الأمنية، لكن حكومة الرئيس كرامي سمحت لهم بالتظاهر والتجمع والبقاء كل الليل وكل النهار في الساحات. حكومة الرئيس كرامي لم تطلب لا من الجيش ومن الأجهزة الأمنية أن تطلق النار على المتظاهرين. حكومة الرئيس كرامي والتي كان فيها أحزاب لديها شارع كبير لم تنزل أحزاب الشباب حتى يضربوا الشباب الآخرين ولا الصبايا حتى يضربوا الصبايا الآخرين. وحتى عندما نزلنا نحن في 8 آذار لم ننزل في وقت متزامن مع مظاهرة لهم ولا في الساحة التي هم متواجدون بها. إذا كانت تلك هي الوصاية والدكتاتورية والأجهزة الأمنية هكذا، وفي المقابل السيادة والحرية والاستقلال هي تهديد بقوى الأمن وبالجيش وبالرصاص وبالشارع الثاني وبالعصي والسكاكين فبئس السيادة ومرحبا ب...

عندما نريد النزول إلى الشارع إنشاء الله يكونون عقلاء ولا ينزلون إلى شارع مقابل في الوجه. وإذا أرادوا أن ينزلوا في شارع آخر فهذا حقهم الطبيعي. لكن حرام أن يضعوا الناس في وجه بعضها، ولا نحن نريد أن نضع الناس في وجه بعضهم. لكن افترضوا وضعونا في وجه بعض، نحن لا نريد مشاكل ولا نريد صراع ولا شتائم. إذا شتمونا نقول لهم: الله يسامحكم. هم قتلونا وقلنا لهم الله يسامحكم. هم تواطؤا على قتنلا وقلنا لهم الله يسامحكم. إذا جاء بعض الناس الطيبين من بعض المناطق ومن مدينة بيروت أو من أي محافظة، وتظاهروا في وجه مظاهرتنا فهؤلاء هم شعبنا وأهلنا وأحباؤنا ونتعاطى معهم هكذا. نحن أمام امتحان كبير، وهناك في لبنان تجربة: هناك أناس قتلوا على الطرقات ورفضوا الانجرار إلى الحرب الأهلية وهناك أناس لم يستطيعوا أن يصبحوا أمراء إلا بالحرب الأهلية. اليوم الشعب اللبناني هو الذي يحسم هذه المواجهة وهو الذي يحسم مصيره. نستطيع أن نذهب إلى العصبيات المذهبية والطائفية والمناطقية ونخرب بلدنا، ونستطيع أن نتعاطى بمسؤولية ونحقق المصلحة الوطنية الكبرى، نحرر بلدنا من هيمنة السفير فيلتمان ومصاصة الدماء كوندوليزا رايس وفي الوقت نفسه لا تحصل مشكلة في البلد ونستطيع أن نقوم بهذه الشيء. لو شتمونا لا نريد أن نشتم وإنما نسامح، لو ضربونا لا نريد أن نضرب، وأي إشكال يجب أن نحله بسرعة، هذا طبعا، يحتاج إلى إيمان كبير وصبر كبير وشجاعة كبيرة. هنا الشجاعة وليست الشجاعة في التورط بالمشاكل. الشجاعة أن أفوت المشكل على الذين يريدون أن يأخذوا البلد إلى مكان ما. بالنسبة إلى الجيش والقوى الأمنية يجب أن نتعاطى معهم، فهؤلاء إخواننا وأحباؤنا. من هو الجيش ومن هي قوى الأمن؟ هم أخي وأخوك وعمي وعمك. حكومة الرئيس كرامي رفضت أن تستخدم الجيش وقوى الأمن لقمع المتظاهرين، السياديون الجدد يريدون استخدام الجيش وقوى الأمن لقمع المتظاهرين. لكن أنا أعتقد أن الجيش وقوى الأمن سوف يتصرفون بمسؤولية وطنية. هنا توجد قصة "بين هلالين" أريد أن أقولها لكم حتى ننتهي منها. من يوم قصة ثكنة مرجعيون وما بعدها أصبح مثل عادة، وأنا رأيتها في بعض الأماكن وحتى يوم الاحتفال بـ 22 أيلول، حقيقة أنا تأذيت. كان في شباب من قوى الأمن واقفون ينظمونا السير والناس، فيقترب منهم بعض الشباب ويقول لهم "2 شاي ياوطن"، هذا الموضوع فلننته منه، في النهاية هؤلاء الشباب، شباب قوى الأمن الموجودون في الشارع ضباطهم وعناصرهم، هم كما قلت إخوتنا وأحباؤنا وأولادنا لا ذنب لهم في ما حصل في مرجعيون، حتى الشباب الذين كانوا في مرجعيون من عناصر الجيش ومن عناصر قوى الأمن هم نفذوا قرارا سياسيا، الذي يتحمل مسؤولية والذي يجب أن تقولوا له 2 شاي هو الذي أخذ القرار السياسي. ليس العسكر، ليس أفراد الجيش وأفراد قوى الأمن الداخلي أو الأجهزة الأمنية، هؤلاء لو كان القرار السياسي أن يقاتلوا لقاتلوا كما شباب المقاومة. ضمن هذه المنهجية بطبيعة الحال، الشعارات تحتاج إلى ضبط. المرحلة لا تحمل أن تفلت الشعارات، أو أن يأتي جمهور معين ليقول أنه يريد أن يقول الشعارات التي يريدها. نحن في قوى المعارضة سوف نتفق على شعارات موحدة. أنا متأكد أن فريق السلطة سوف يرسل أناسا إلى قلب تظاهراتنا حتى تقول شعارات مذهبية حتى تقول شتائم وتعمل مشاكل وشغب، هؤلاء مهمتنا نحن أن نضبطهم، وأن ننظم مع بعضنا أي تظاهرة أو تجمع. نحن لا نحتاج لا إلى شغب ولا إلى شتائم ولا خطأ ولا فوضى، لأننا واثقون من شعبنا ومن حضور الناس ومن وعي الناس ومن تحمل الناس المسؤولية. قادرون أن ننزل إلى الشارع، إما ننزل ونطلع وإما نبقى، كلا الخيارين مفتوح. كل الخيارات مفتوحة، يوم واثنان وثلاثة... أسبوع وأثنان وثلاث وأكثر وأقل لا توجد مشكلة، حتى نفرض بوسائلنا السلمية الحضارية الديموقراطية اسقاط الحكومة غير الشرعية وغير الدستورية، حكومة السفير فيلتمان وليست حكومة الرئيس فؤاد السنيورة. وبالتالي، نحن من خلال هذا الحضور والهدوء والالتزام والانضباط قادرون على تحقيق هدف وطني سياسي كبير جدا.

عندنا خطوط حمراء واضحة: الحرب الأهلية خط أحمر، ضرب الاستقرار والسلم الأهلي في لبنان خط أحمر، التصادم خط أحمر، الفتنة الداخلية خط أحمر. نحن قادرون، قوى المعارضة بتنوعها المذهبي والطائفي والسياسي من خلال شعبيتها الكبيرة وجمهورها العريض من خلال قياداتها وإداراتها وانضباطها هي قادرة أن تحقق هذا الهدف. طبعا، لا نريد أن نتوتر، ويجب أن نعمل بهدوء وبدون انفعال ولا نريد أن يأخذنا أحد إلى مكان لا نريد أن نذهب إليه. وكونوا واثقين رغم أن المسألة هي ليست أصغر من أن تستحق ما سأقوله لكم، لكن سأختم بالقول وأقول لكم: كما كنت أعدكم بالنصر دائما أعدكم بالنصر مجددا ان شاء الله.

المزيد...

٢٢ سبتمبر ٢٠٠٦

كلمة الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في مهرجان الانتصار

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا خاتم النبيين أبي القاسم محمد بن عبد الله وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه المنتجبين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين.

السلام عليكم يا أشرف الناس وأطهر الناس...

الحمد لله الذي صدقنا وعده، والذي نصرنا ونصر لبنان وشعب لبنان على عدو لبنان. الحمد لله الذي أعزنا وثبتنا وأمننا. الحمد لله الذي عليه توكلنا وإليه أنبنا، وكان دائماً كما وعد: نعم المولى ونعم الوكيل. الحمد لله على نصره وعلى عونه وعلى تأييده.

أيها الأخوة والأخوات، أيها السادة جميعاً:
أنتم اليوم في الثاني والعشرين من أيلول تدهشون العالم من جديد، وتثبتون بحقٍّ أنكم شعب عظيم، وأنكم شعب أبيّ، وأنكم شعب وفي، وأنكم شعب شجاع.

منذ أيام، وكثيرون يشنون حرباً نفسية على هذا المهرجان كما كانوا يشنون حرباً نفسية على المقاومة.

لقد قالوا إن هذه الساحة ستقصف وأن هذا المنبر سيدمر ليخيفوا الناس ويبعدوها، انتم في 22 من أيلول تثبتون بتتويجكم لاحتفال النصر أنكم أشجع من 12 تموز وأشجع من 14آب. نعم، أنا أقف أمامكم وبينكم، فيه مخاطرة عليكم وعلي، وكان هناك خيارات أخرى، ولكن إلى قبل نصف ساعة ونحن نتناقش، إلا أن قلبي وعقلي وروحي لم تأذن لي أن أخاطبكم من بعيد ولا عبر شاشة.

أقصى ما يتوقعه إنسان هو أن يقدم العدو على خطأ أو جريمة، ولكن ألا يعرف هذا العدو من نحن؟ نحن أبناء ذاك الإمام الذي قال: أبالموت تهددني يا بن الطلقاء، إن القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة.

أهلاً بكم جميعاً... من الجنوب المقاوم المقاتل، إلى البقاع الصامد، إلى الشمال الوفي إلى الجبل الأبي، إلى بيروت العروبة، إلى ضاحية العزة والكرامة، أهلاً بكم جميعاً .. من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، أهلاً بكم جميعاً، من سوريا، من إيران، من الكويت، من البحرين، من كل بلد جاءنا محتفياً محتفلاً.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .. السلام على شهدائكم وعلى عوائل شهدائكم.. السلام على جرحاكم وجراح جراحكم النازفة.. السلام على أسراكم، السلام على دمائكم ، السلام على دموعكم، السلام على أيتامكم، السلام على أراملكم، السلام على بيوتكم المهدمة، السلامة على أرزاقكم المحروقة، السلام على أرواحكم وإرادتكم الصلبة التي هي أصلب من جبال لبنان.

نحن اليوم نحتفل بنصر إلهي تاريخي استراتيجي كبير، وكيف يمكن لعقل بشري أن يتصور أن بضعة آلاف من أبنائكم المقاومين اللبنانيين، ولو شئت لقلت العدد بالدقة والتحديد، وقفوا 33 يوماً في أرض مكشوفة للسماء وأمام أقوى سلاح جو في منطقة الشرق الأوسط وله جسر ينقل إليه القنابل الذكية من أمريكا إلى بريطانيا إلى "إسرائيل"، وأمام 40 ألف ضابط وجندي، أربعة ألوية من النخبة وثلاثة فرق من جيش الاحتياط وأمام أقوى دبابة في العالم وأمام أقوى جيش في المنطقة، كيف يمكن لبضعة آلاف فقط أن يقفوا ويقاتلوا في ظروف قاسية صعبة من هذا النوع ويؤدي قتالهم إلى إخراج البوارج البحرية من مياهنا الإقليمية، (وبالمناسبة الجيش والمقاومة قادران على حماية المياه الإقليمية من أن يدنّسها صهيوني)، وتدمير دبابات الميركافا مفخرة الصناعة الإسرائيلية، وتعطيل المروحيات الإسرائيلية في النهار ولاحقاً في الليل، وتحويل ألوية النخبة، وأنا لا أبالغ، شاهدوا الإعلام الإسرائيلي، وتحويل ألوية النخبة إلى فئران خائفة مذعورة من أبنائكم، تخلٍّ عالمي وعربي عنكم، وفي ظل انقسام سياسي من حولكم، وإن كان التضامن الإنساني عالياً، كيف يمكن لهذه الثلة من المجاهدين أن تهزم هذا الجيش، إلا بنصر من الله وعون من الله وتأييد من الله سبحانه وتعالى. هذه التجربة، تجربة المقاومة التي يجب أن تنقل إلى العالم، تعتمد على الإيمان واليقين والتوكل والاستعداد للتضحية في الجانب المعنوي والروحي، ولكنها أيضاً، تعتمد على العقل والتخطيط والتنظيم والتدريب والتسليح، وكما يُقال الأخذ بالأسباب.

لسنا مقاومة عشوائية، لسنا مقاومة سفسطائية ولسنا مقاومة مشدودة إلى الأرض لا ترى إلا التراب، ولسنا مقاومة فوضى. المقاومة التقية المتوكلة العاشقة العارفة، هي المقاومة أيضاً العالمة العاقلة المخططة المدربة المجهزة. هذا هو سر الانتصار الذي نحتفل به اليوم.

أيها الأخوة والأخوات، هذا الانتصار بحاجة إلى وقفة شجاعة كوقفتكم اليوم، أنتم اليوم تقدمون رسالة سياسية ومعنوية شديدة وبالغة الأهمية والخطورة للبنانيين، للعرب، لكل العالم، للصديق وللعدو.

أنتم أذهلتم العالم عندما صمدتم كشعب في لبنان من 12 تموز إلى 14 آب، وكانوا يراهنون على انقسامنا وتفتتنا، وصمدتم كل هذه المرحلة، من هُجر ومن احتضن.

وجاء الرابع عشر من آب، وكانوا يراهنون أن بقاء المهجرين في أماكن التهجير سوف يشكل ضغطاً على المقاومة لفرض المزيد من الشروط عليها، وهي لم تخضع لشروط، ولكن من جديد أذهلتم العالم عندما ركب المهجرون سياراتهم والشاحنات وبعضهم على الأقدام وعند الساعة الثامنة صباحاً كانت الضاحية والجنوب والبقاع تمتلئ بأهلها العائدين، المرفوعي الرأس، الأعزاء، الكرام.

اليوم، أنتم تذهلون العالم وتقولون للأميركي الذي تكلم قبل أيام وقال: وصلتنا إشارات طيبة من لبنان أن المقاومة تراجعت شعبيتها وبدأت تضعف وتنهار! هذا هو شعب المقاومة.. أنا أقول لهذا الأميركي: عليك أن توجه كتاب ذم وقدح لكَتَبَة التقارير الكذابين الذين يرسلون لكم معلومات خاطئة وتبنون عليها حسابات خاطئة.

يجب أن نؤكد اليوم أن هذه الحرب كانت حرباً أميركية بالقرار وبالسلاح وبالتخطيط وبالإرادة وبإعطاء المهلة تلو المهلة للصهاينة: أسبوع، أسبوعين، ثلاثة، أربعة.. والذي أوقف الحرب هو عجز الصهاينة.

إذا ذكرتم الأيام الأخيرة، أكبر عدد من الدبابات دمر يوم الجمعة والسبت والأحد. أكبر عدد من قتلى جنود الاحتلال سقطوا يوم الجمعة والسبت والأحد، المروحيات سقطت الجمعة والسبت والأحد، ولذلك أدرك الصهاينة أنهم لو استمروا فستكون كارثة، فتدخل الأميركي وقبِل حتى بالمسودات، قَبِل لتقف الحرب.

أوقفوا الحرب ليس من أجل لبنان ولا من أجل أطفال لبنان ولا من أجل دماء النساء في لبنان ولا من أجل لبنان الجميل، أوقفوا الحرب فقط من أجل إسرائيل، وأتوا ليبيعونها لنا في لبنان، أن أصدقائنا الأمريكان أوقفوا الحرب؟ أصدقائنا الأميركان أول يومين لم يقبلوا أن يوقفوا الحرب، وأول أسبوع لم يقبلوا وثاني أسبوع لم يقبلوا وثالث أسبوع لم يقبلوا ورابع أسبوع لم يقبلوا! ألم يكونوا مشاهدين لجمال لبنان شهراً كاملاً، وإنما كانوا يراهنون، وهذه العبارة استخدمت في بعض القنوات الدبلوماسية، كان القرار أن يسحق حزب الله، وبعد سحق حزب الله تتم تصفية الحساب مع كل أصدقائه وحلفائه وأبناء الخط الوطني السيادي الحقيقي الاستقلالي في لبنان.

الذي أوقف الحرب بعد فضل الله عز وجل، أبناؤكم المقاومون وهذا الشعب الأبي الوفي الشجاع الذي احتضن المقاومة ودعمها من الحدود إلى الحدود، والذي ضمّها في مساجده وكنائسه وأديرته ومدارسه، هذا هو الذي أوقف الحرب. وإذا كان من أحد يحق له أن يحتفل بالنصر فهو أنتم الموجودون هنا.

نختلف: هل ما جرى في لبنان نصر أم هزيمة، وأنا لا أريد أن أدخل في هذا السجال، ولكن أقول لكم: من يشعر أن خياره ومشروعه وخطه ورؤيته هي التي انتصرت، يشعر بالنصر ويتحدث عنه، ومن يعتبر أنه هو الذي هزم والذي سقط يتحدث عن الهزيمة.

نحن نشعر أننا انتصرنا وأن لبنان انتصر وأن فلسطين انتصرت وأن الأمة العربية كلها انتصرت وأن كل مستضعف ومظلوم ومحروم ومعتدى عليه في هذا العالم أنه انتصر.

ونصرنا ليس انتصار حزب.. أعيد ما قلته في بنت جبيل في 25 أيار عام 2000 ، ليس انتصار حزب، ليس انتصار طائفة، ليس انتصار فئة، هو انتصار لبنان الحقيقي وشعب لبنان الحقيقي وكل حرّ في هذا العالم. لا تحوّلوا الانتصار التاريخي الكبير، لا تسجنوه في علب حزبية أو مذهبية أو طائفية أو قطرية، هذا نصر أكبر بكثير مما تطيقه عقولنا ومما تستوعبه عقولنا. الأسابيع والشهور والسنوات المقبلة هي التي ستؤكد هذا المعنى. يكفي أن أقول في النتائج المباشرة: إن مقاومتكم وصمودكم أفشل كل أهداف العدوان، وهذا انتصار. إن مقاومتكم وصمودكم وجهت ضربة قاسية لمشروع الشرق أوسط الجديد الذي تحدثت كوندليزا رايس أن مخاضه كان في حرب تموز، ولكنه أصبح سقطاً لأنه ولد غير شرعي. مقاومتكم وصمودكم فضحت السياسات الأميركية الخداعة التي تتحدث عن حقوق الانسان والحريات والديموقراطية والاحترام. صمودكم ومقاومتكم فضح أمريكا ورفع منسوب الوعي والعداء (الوعي قبل العداء) ليس في العالم العربي فقط، ليس في العالم الإسلامي فقط، في كل العالم. بصمودكم ومقاومتكم يستطيع رجل، أستطيع أن أقول عنه عربي كبير كبير كبير كتشافيز أن يقول ما قاله بالأمس في الأمم المتحدة: المقاومة اللبنانية اليوم هي تلهم كل مقاومي العالم وكل أحرار العالم وكل أشراف العالم وكل الرافضين للخضوع والإذلال الأميركي في العالم.

هذا هو انتصارنا وهذه هي نتيجة معركتنا أيضاً. مقاومتكم كما قدمت انتصار عام 2000 نموذجاً لمقاومة التحرير في 2006، قدمت نموذجاً للصمود، الصمود الاسطوري، الصمود المعجزة، وهذا سيصبح حجة وأصبح حجة على كل العرب وعلى كل المسلمين، على الحكام وعلى الجيوش وعلى الشعوب.

بالأمس ذهبت مجموعة الدول العربية إلى مجلس الأمن تستجدي سلاما وتسوية، وأنا أقول لهم لا أحدثكم عن إزالة "إسرائيل"، أحدثكم عن التسوية التي تطلبونها، كيف ستحصلون على تسوية مشرفة وأنتم تعلنون صباح مساء أنكم لن تقاتلوا لا من أجل لبنان ولا من أجل غزة ولا من أجل الضفة الغربية ولا حتى من أجل القدس. كيف ستحصلون على تسوية معقولة وأنتم تعلنون في كل يوم أنكم لن تستخدموا سلاح النفط، وحتى إذا جاء أحدكم يحدثكم عن سلاح النفط "صرتم تتمصخروا فيه وتتمهزأوا فيه"، هذا الحكي تخلف!

لا تريدون أن تقاتلوا ولا تريدون أن تقاطعوا ولا تريدون استخدام سلاح النفط ولا تسمحون للناس أن ينزلوا إلى الشارع ولا تسمحون للمقاومة في فلسطين أن تتسلح وتحاصرونها ولا تعطونها المال وتجوعونها وتقطعوا عنها الرواتب فقط من أجل كونداليزا رايس، هؤلاء كيف سيحصلون على "تسوية عادلة أو مشرفة"؟ هل الإسرائيلي يعترف بكم أصلا؟

أقول لكم إنّ الإسرائيليين ينظرون اليوم إلى المقاومة في لبنان وإلى شعبها باحترام وتقدير كبيرين، أم كل هؤلاء الأذّلاء فلا يساوون شيئاً.

حتى من أجل المبادرة العربية التي أجمعتم عليها في بيروت "بدها وقفة ورجال وقوة"، لا تريدون استخدام القوة، إذاً هددوا بها ولوّحوا بها، أما القول أننا ضعيفون، فشعب لبنان أقام الحجة على كل شعوب العالم، مقاومة لبنان أقامت الحجة على كل الجيوش العربية والإسلامية. الجيوش العربية والشعوب العربية ليست قادرة فقط على تحرير غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، بكل بساطة وبقرار صغير وببعض الإرادة هم قادرون على استعادة فلسطين من البحر إلى النهر، لكن المشكلة عندما يضع إنسان نفسه بين خيارين: بين شعبه وعرشه فيختار عرشه، بين القدس وعرشه فيختار عرشه، بين كرامة وطنه وعرشه فيختار عرشه.

ميزة المقاومة في لبنان وميزة المقاومة في فلسطين أنها اختارت كرامة شعبها ومقدساتها وحرياتها وقدمت قادتها وأبناءها وأعزاءها قرابين لترحل إلى عرش الله سبحانه وتعالى. اليوم مقاومتكم هزّت صورة إسرائيل: صورة الجيش الذي لا يقهر أنهيناها، مقولة الدولة التي لا تقهر أنهيناها، بِجَدٍّ "خْلُصْنَا"، أنا لست أجامل وأطلق شعارات، يكفي أن تقرأوا ماذا يجري في فلسطين المحتلة وماذا يقول الصهاينة وماذا يجري بين جنرالات إسرائيل وقادتها، وها هو (إيهود) أولمرت يحتج علينا اليوم ولماذا نعمل احتفال بالنصر اليوم؟ صحيفة يديعوت أحرونوت أجرت استطلاعا للرأي يقول: من ترى شخصا لائقا لرئاسة الوزراء في إسرائيل، أولمرت أخذ 7 بالمئة، ووزير الحرب البطل أخذ واحد بالمئة!

هذه "إسرائيل" المهزوزة في كيانها السياسي والمهزوزة في مؤسستها العسكرية والمهزومة في استخباراتها تغيرت صورتها اليوم، ولا يستطيع أي حاكم عربي وأي نظام عربي أن يذهب ويقدم تنازلات جديدة ويخضع لشروط مذلة ويحتج لذلك أمام أمّتنا ويقول نحن لا نستطيع أن نفعل شيئا مع "إسرائيل".

في يوم من الأيام قال رجل كهل كبير في السن عارف بزمانه ومكانه وعصره: لو حمل كل واحد منّا دلوا من الماء ورماه على فلسطين المحتلة لزالت "إسرائيل" من الوجود. عندما يقف مئة أو مئتين أو ثلاثمئة مليون إنسان فبإمكانهم أن يهزموا "إسرائيل"، عدّة آلاف في لبنان هزموا "إسرائيل". هذه الحجة سقطت ونحن يجب أن ندخل إلى مرحلة جديدة وإلى عصر جديد، العصر الذي نملي فيه شروطنا على العدو، العصر الذي نستعيد فيها كرامتنا وحريّتنا وسيادتنا ومقدساتنا.

إننا في يوم النصر الإلهي وقبل أن أتحدث في الشأن الداخلي، كما في يوم 12 تموز أريد أن أؤكد على وصيّتين: قلوبنا ومشاعرنا وأحزاننا اليوم هي فلسطين، هي في غزة ورام الله ونابلس، هي في جنين، هي في القدس، هي في كل بلدة وقرية ومخيم فلسطيني يقصف في كل يوم وشاب فلسطين يقتل في كل يوم وبيوت فلسطينية تهدّم في كل يوم والعالم كله ساكت، العالم العربي قبل العالم الآخر. إلى متى سوف يبقى هذا السكوت، إلى متى سنتحمل هذا العار. ولا يطلب أحد أن ترسلوا جيوشكم لتدافع عن شعب فلسطين، فقط لنقدم الدعم لهذا الشعب، الدعم المعنوي والسياسي والمالي والتسليحي، وفي فلسطين قادة وعلماء وفصائل وحركات وشباب ورجال ونساء وأطفال قادرون أن يجددوا المعجزة الإلهية على أرض فلسطين.

والرسالة الثانية هي العراق، العراق الذي يجب أن ننظر إليه كلبنانيين، كنموذج، لو نجحت الحرب في لبنان كان الأمريكيون يريدون تعميم هذا النموذج فيه، نحن في الحرب قدمنا شهداء كلبنانيين، من المقاومة والجيش والقوى الأمنية والدفاع المدني والصليب الأحمر ووسائل الإعلام والمؤسسات والأحزاب المختلفة ومن شعبنا الحبيب، قدمنا قرابة ألف ومئتين شهيد، في العراق كل شهر يقتل عشرة آلاف وخمسة عشر ألفا، في حرب عبثية يديرها ويمولها ويحرض فيها الأمريكي والموساد. نحن، المقاومة في لبنان، هي التي حمته من الحرب الأهلية. البعض يقول المقاومة في لبنان تدفع إلى حرب أهلية، أبداً، لو انتصرت إسرائيل لَدُفِعَ لبنان إلى حرب أهلية، ولسمعتم أصوات الفيدراليات والكانتونات والتقسيم واللغة الإسرائيلية التي كانت ستنطلق من جديد. العراق نموذج يجب أن نتوقف عنده دائما ويجب أن تبقى رسالتنا لشعبنا في العراق الصبر والهدوء والحكمة والتواصل وعدم الوقوع في الفتنة وعدم الرهان على العدو.

أمّا في لبنان فرسالتنا هي أنّ خلاصنا جميعا ورجاءنا وأملنا هو في بناء الدولة القادرة القوية العادلة العزيزة النظيفة، هذا هو الأمل، ومن المفترض أنّ هذا هو معقد الإجماع بين اللبنانيين. نحن من هنا نعلن وبدماء شهدائنا نعلن ونستبق الأمور ونقول: إنّ أي كلام في لبنان يتحدث عن التقسيم هو كلام إسرائيلي وإن أي كلام في لبنان يتحدث عن الفيدرالية هو كلام إسرائيلي وإنّ أي كلام في لبنان يتحدث عن كانتونات هو كلام إسرائيلي.

نحن اللبنانيين قدرنا وقرارنا ومصيرنا ومشيئة ربنا أن نعيش معا وسويا في دولة واحدة، نرفض أن تقسم وأن تجزأ ونرفض أن "تُفَدْرَلْ" وأن "تُكَنْتَنْ". الأصل الذي يحمي وحدة لبنان هو بناء الدولة القوية القادرة العادلة ، الذي يحمي سيادة لبنان من الأطماع الصهيونية هو الدولة القوية القادرة العادلة، الذي يعالج الأزمات المعيشية والإجتماعية للبنانيين وللمقيمين في لبنان هو الدولة القوية القادرة العادلة النظيفة العزيزة، وهذا ما نطمح إليه ونتطلع إليه جميعا. الدولة القوية القادرة تعني التي تستطيع وبعزة أن تستعيد كل شبر من أرضها المحتلة، وأن تحمي كل قطرة ماء من نهر الوزاني والليطاني والحاصباني، والتي تستطيع أن تمنع العدو من الاعتداء على سيادتها يوميا، والتي تستطيع أن تطمئن شعبها إلى أنّها تحميه بحق، تحميه بالسلاح وبالقوة وبالعقل وبالوحدة وبالتحصين وبالتخطيط وبالإرادة الوطنية، أمّا الدموع فهي لا تحمي أحد. نحن نريد هذه الدولة القوية والقادرة والعادلة والنظيفة والمستقلّة التي ترفض أي وصاية أو هيمنة أجنبية، الدولة الكريمة العزيزة التي لا تخضع لشروط مذلة، والنظيفة التي لا مكان فيها للسرقات ولا للهدر ولا لِلُّصوصية. هذه هي الدولة التي نحتاجها.

هذا هو المدخل الطبيعي لمعالجة مسألة المقاومة، هنا نأتي للسلاح "للذين قلوبهم محروقة بدُّن يحلو مسألة السلاح". أنا أقول لهم لا تعالجوا النتائج وتعالوا لنعالج الأسباب، ناقشونا بالمنطق، المقاومة نتيجة لسبب الاحتلال ولاعتقال الأسرى ولسلب المياه والتهديد للبنان والاعتداء على السيادة اللبنانية وهذه هي الأسباب، عالجوا الأسباب، والنتائج يمكن معالجتها بسهولة. عندما نبني الدولة القوية القادرة العادلة التي تحمي لبنان واللبنانيين سوف نجد بسهولة حلا مشرفا لمسألة المقاومة وسلاحها. أريد أن يسمع اللبنانيون بوضوح، نحن لا نقول إن هذا السلاح سيبقى إلى الأبد وليس منطقيا أن يبقى إلى الأبد، هذا السلاح لا بدّ له من خاتمة ومن نهاية، المدخل الطبيعي أن نعالج الأسباب فتنتفي النتيجة، تعالوا وابنوا دولة قوية عادلة تحمي الوطن والمواطنين وأرزاقهم ومياههم وكرامتهم وستجدون أن حل مسألة المقاومة لا تحتاج حتى إلى طاولة حوار. أمّا أن نأتي بالزمن إلى الوقت الذي ـ بدل أن يخرج الإسرائيلي من مزارع شبعا ـ يمدون له الشريط إلى الأمام، وبدل أن يحل مشكلة النقاط الحدودية يتقدم إلى الأمام في الخيام ومروحين وفي الضهيرة، وبدل أن نستفيد من حقنا القانوني من مياه الوزاني يأتي فيمد قساطلا ويسرق مياه الوزاني. هل هكذا يمكن أن نحمي الوطن وخيراته؟

لذلك أقول إنّ أي حديث عن "نزع" سلاح المقاومة أو "تسليم" سلاح المقاومة في ظل هذه الدولة وهذه السلطة وهذا النظام وهذا الوضع القائم يعني إبقاء لبنان مكشوفا أمام "إسرائيل" لتقتل من تشاء وتأسر من تشاء وتقصف كيفما تشاء وتسلب أرضنا ومياهنا، هذا بوضوح لا يمكن أن نقبل به. نحن لم قاتلنا منذ عام 1982 ولم يمضِ الشباب زهرة شبابهم في المقاومة ولم يتركوا حياة الرخاء والرفاه والترف ولا الهدوء، 24 ـ 25 سنة في المقاومة لا لتنتهي المقاومة و"إسرائيل" تحتل الأرض وتعتدي على العرض وتسلب الأمن وتسحب المياه والخيرات، أبدا لا والله. هذا هو الخيار الصحيح الطبيعي المنطقي العاقل المسؤول الوطني.

أمّا الخيارات الأخرى، أريد من هذا المهرجان الكبير وبحضور هذه الوجوه الطيبة والكريمة وهذا الجمهور الذي ينتمي إلى كل الطوائف في لبنان وإلى كل المناطق في لبنان وإلى عدد كبير من التيارات والأحزاب السياسية، أريد أن أقول لهم: إنّ الرهان على إنهاء المقاومة بالضغط والتهويل والحصار هو رهان خاسر. إنّ الرهان على إنهاء المقاومة من خلال جرّها إلى فتنة مع الجيش اللبناني كما يفكر البعض هو رهان خاسر، الجيش والمقاومة أخّان عزيزان حبيبان لا يمكن أن يفصل بينهما أحد. والذين يراهنون خارجا وداخلا وأينما كان هذا المراهن على نزع سلاح المقاومة من خلال حرب جديدة إسرائيلية أو غير إسرائيلية أحيلهم على (وزيرة خارجية العدو تسيبي) ليفني ووزير حرب العدو وموشي أرينز وزير الدفاع الأسبق الإستراتيجي وليسمعوا منهم الجملة الواضحة وأعيدها على مسامعهم، "كنّا نريد ـ هم يقولون ـ تفكيك حزب الله بالكامل لكننا اكتشفنا أنّ أي جيش في العالم لا يستطيع أن يفكك تنظيما كهذا التنظيم". وأنا أقول لهم إنّ أيّ جيش في العالم لن يستطيع أن يلقي سلاحنا من أيدينا وقبضاتنا طالما أنّ هذا الشعب الوفي والأبي يؤمن بهذه المقاومة، أنا لا أهدد بالسلاح، أنا أراهن على هذا الشعب الذي يحتضن المقاومة، أراهن على تلك المرأة الكبيرة في السن الجليلة التي وقفت بين الدمار وقالت: بيتي في بيروت تهدم وبيتي في الجنوب تهدم ونحن مع المقاومة ومع سلاح المقاومة، وقال آخر وأخرى وآخرون: إذا السيد حسن "بيسلِّم السلاح بيكون خاين"، وأنا أقول لهم : أعاهدكم يا شعبنا الأبي والوفي والعظيم إنّي لا أطمح إلى أن أختم حياتي بالخيانة بل بالشهادة.

كل هذه الرهانات هي رهانات خاسرة لأنّ هناك شعبا في لبنان ومقاومة في لبنان ترفض الاحتلال والذل والهوان والاستبداد والإهانة، وحاضرة أن تقدم أنفسها وأبناءها وأعزاءها من أجل الوطن. لبنان اليوم، بلا مبالغة، هو في منطقة الشرق الأوسط لم يعد كبيراً، هو قوة عظمى بكم، يحسب له كل حساب ويحسب له الغرب كل حساب وتحسب له "إسرائيل" كل حساب، وينظر إليه العالم المظلوم والمستضعف باحترام وتقدير واعتزاز وفخر.

حتّى لا يقلق أحد أعيد، لا نريد أن نحتفظ بالسلاح إلى أبد الآبدين، وأؤكد كما خلال 25 سنة، هذا السلاح ليس للداخل ولم يستخدم للداخل، هذا ليس سلاحا شيعيا، هذا سلاح لبناني، هذا سلاح المسلم والمسيحي، هذا سلاح السني والدرزي والشيعي، هذا سلاح كل لبناني يتطلع لحماية لبنان ولسيادة لبنان واستقلال لبنان. وأنا أعاهدكم أنّ هوية ووقفيّة هذا السلاح سوف تبقى هكذا وهذا عهد مع الله وعهد مع الأمّة وعهد مع الشهداء.

المدخل إذاً بناء الدولة العادلة القوية المقاومة العزيزة الشريفة النظيفة، وإن كان هذا هدف كبير جدا، وكي لا نبقى في النظريات، لن نقف اليوم لنقول سقط من سقط في الإمتحان ونجح من نجح في الإمتحان. سأقول نحن جميعا مهما اختلفنا ومهما تنافسنا ومهما صَعُبَت الأمور بيننا على المستوى النفسي والسياسي، نحن في مأزق حقيقي في لبنان ولا أحد يقدر على القول نحن أكثرية "وما في شي وكل شي تمام البلد ماشي وماشي الحال، مش صحيح".

هناك مأزق حقيقي في لبنان اليوم خصوصا بعد الحرب، هناك انقسام وطني حاد وليس هناك انقسام مذهبي، الخلاف الذي يجري هو ليس خلافاً شيعياً سنياً أو خلافاً مسلمين ومسيحيين أو خلاف دروز وسنة وشيعة ومسيحيين، أبدا.

هناك انقسام سياسي وطني، هناك خيارات استراتيجية وسياسية كبرى تتفق عليها قوى سياسية شيعية وسنية ودرزية ومسيحية، وهناك خيارات أخرى تتفق عليها قوى سياسية من نفس الطوائف، وعندما خرج البعض من الشيعة ليقول كلام آخر غير كلام حزب الله وحركة أمل ظنوا أننا سنحزن، نحن كنا سعداء لأن خروج أصوات أخرى تؤيد الموقف الاخر سيؤكد أن النزاع هنا ليس نزاع مذهبيا وإنما هو نزاع سياسي .

شاهدوا الحسابات الخاطئة، حتى عندما يريدون ايذاءنا ينفعوننا، إذاً نحن أمام انقسام وطني، وندائي اليوم في مهرجان النصر الذي صنعه اللبنانييون من كل الطوائف ومن كل المناطق، أريد أن أنبه وأقول لا تسمحوا لأحد أن يحول الانقسام السياسي إلى انقسام مذهبي وانقسام طائفي، يحرم تحريك المذهبيات والطوائف للدفاع عن خيارات سياسية. هذا لعب بالنار وتخريب للبلد وهذا تدمير للبلد. نعم في الخيارات السياسية نحن منقسمون، نتنافس، نتحاور، نختلف، يهاجم بعضنا بعضا في الإعلام نذهب إلى الشارع ونذهب إلى الانتخابات، كل هذه الآليات السلمية والديمقراطية مشروعة ومباحة. هذا ما يجب أن أؤكد عليه، طالما هناك انقسام سياسي هناك تحديات خطيرة، وفي مواجهة هذه التحيات لا يستطيع الفريق الحاكم حاليا في لبنان أن يواصل السلطة والعمل. المدخل الطبيعي هو تشكيل حكومة وحدة وطنية، وأنا هنا عندما أتحدث عن حكومة وحدة وطنية لا أتحدث عن إسقاط أحد ولا شطب أحد ولا حذف أحد، وإنما كما قلت في 25 أيار الماضي، تعالوا لنضع أكتافنا جميعا كتفا بكتف لنحمي لبنان ولندافع عن لبنان ولنبني لبنان ولنعمر لبنان ولنصون لبنان ولنوحد لبنان. بكل صراحة الحكومة الحالية ليست قادرة لا على حماية لبنان ولا على إعمار لبنان ولا على توحيد لبنان.

لكن عندما نقول الحكومة الحالية لا يعني أننا نريد حذف أو شطب أو إلغاء أحد أبداً. وإنما نقول تعالوا جميعا لنحمي ولنبني وندافع.

إذاً بناء الدولة القوية القادرة يبدأ أولاً من حكومة وحدة وطنية جدية، وأنا هنا لا أرفع شعارا للاستهلاك، فليسمعوني جيدا، أنا هنا لا أرفع شعارا للاستهلاك ولا لتقطيع الوقت ولا استرضاء لحلفاء أو لأصدقاء. هذا مشروعنا الجدي الذي سنعمل جميعا في كل قوة في المرحلة المقبلة. والأمر الثاني في بناء الدولة العادلة القوية المقتدرة يبدأ من وضع قانون انتخاب منصف تشعر فيه كل الطوائف وكل التيارات السياسية بان أمامها فرصة واقعية لتمثيل حقيقي ولا تشعر فيه أي طائفة انها باتت مستتبعة لطائفة اخرى . هكذا نبني الدولة القوية العادلة القوية المقتدرة وهذا هو المدخل لمعالجة كل مشكلاتنا.

هنا نأتي الى التحديات والملفات الباقية بسرعة.

في قضية سلاح المقاومة هناك شيء له علاقة بالواقع الحالي.

يأتون لمحاصرة البحر من اجل ماذا ؟هل من اجل حماية لبنان ؟ كلا وقالت المستشارة الالمانية (سلام الله عليها ) البحرية الالمانية تقوم بدور تاريخي لحماية حق اسرائيل في الوجود . يأتون من البحر ويريدون محاصرة السماء ومحاصرة الحدود وانا اقول لهم حاصروا واقفلوا الحدود والبحر والسماء ان هذا لن يضعف شيئا لا من ارادة المقاومة ولا من سلاح المقاومة. نحن خضنا حربا 33 يوماً وكنا مستعدين لحرب طويلة. ما قدمناه في الحرب هو جزء بسيط من قدراتنا، اذا في بنت جبيل وقفت وقلت انه بحوزتنا اكثر من 12 الف صاروخ، رجعنا وضحنا وقلنا 12 الف ليس معناه انه لدينا 13 الف يمكن ان يكون العدد (أكبر من هيك). اليوم اقول لكل الذين يريدون ان يقفلوا البحار والسماء والصحاري والحدود والعدو إن المقاومة تملك اكثر من عشرين الف صاروخ . وخلال ايام قليلة وهي خارجة من حرب ضروس استعادت المقاومة كامل بنيتها العسكرية والتنظيمية والتسليحية.

المقاومة اليوم اقوى مما كانت عليها قبل 12 تموز لانها راكمت في الحرب تجربة جديدة وارادة جديدة وعزما جديدا. من يراهن على ضعف المقاومة نقول له من جديد انت تخطئ في الحساب. اليوم المقاومة في 22 أيلول 2006 اقوى من اي وقت مضى منذ العام 1982 .

الموضوع الثاني هو موضوع الاسرى: اسراكم ابناؤكم سيعودون ان شاء الله كلهم. وانا باسم المقاومة وعدتكم في 12 تموز وقلت لكم باسم رجال الله وليس باسمي واسم ابي، باسم المقاومين قلت لكم لو جاء الكون كله لن يستطيع ان يستبدل هذين الاسيرين الا بمفاوضات غير مباشرة وتبادل. وبعد 12 تموز نعم، لقد جاء الكون كله وبقيتم وصمدتم وبقي الاسرى في ايدينا، ولن يطلقوا الا بعودة الاسرى الذين نطالب بتحريرهم وعودتهم وهذا الملف نحن (مريّحين العالم منه).

ثالثا: مزارع شبعا وتلال كفر شوبا وفود من هذه البلدات الطيبة الصابرة خافت في هذه الايام نتيجة الترتيبات الجديدة في المنطقة الحدودية. انا اؤكد لهم أنه لن يتم التخلي عن مزارع شبعا وتلال كفرشوبا ولن يتخلى احد عن شبر واحد من ارض لبنان المحتلة.

في سياق الحرب والمفاوضات السياسية كانت هناك فرصة جدية لتحرير مزارع شبعا وكاد الامريكيون ان يوافقوا بل وافقوا، ثم جاؤوا واخلفوا بالوعد كعادتهم وقالوا لا نستطيع الآن ان نعيد مزارع شبعا الى لبنان، لماذا؟ لاننا لا نريد ان نقدم نصرا الى حزب الله .

انا اقول لهم اعيدوها لمن شئتم وقدموا نصرا لمن شئتم ولكن اعيدوها اعيدوها.

كان يمكن في سياق الحرب لو توفرت الارادة السياسية الجدية والوحدة السياسية الجدية والمقاومة السياسية المتكاملة لامكننا استعادة مزارع شبعا وتلال كفر شوبا. ولكن انا اؤكد لكم أنها على خط التحرير ومعها كل الخروقات القائمة.

اللآن الدولة هي المتواجدة، الجيش اللبناني متواجد هناك، جيشنا الوطني واليونيفل اكتمل عددهم على الخمسة الاف.

في السابق عندما كانت المقاومة على الحدود كانت أي جرافة تدخل ولو عشرة امتار تضرب وتهرب، الآن الحدود باتت مفتوحة يدخلون الى أي مكان يريدون. الذي مضى مضى، هذا الامر لا يرتبط بالجيش اللبناني، يعني الجيش اللبناني يملك الشجاعة والارادة والعزم وضباطه وجنوده هم اخوة هؤلاء المقاومين ولا فرق بينهم.

المسألة ترتبط بالقرار السياسي: هل ستحول الحكومة اللبنانية الجيش اللبناني الى وحدة عداد شكاوى وتسجيل خروقات؟ هذا معيب في حق الجيش اللبناني. لا الجيش يرضى ولا شعب لبنان يقبل. جيشنا ليس ليجلس على الحدود ويعد الخروقات الاسرائيلية مثل قوات الامم المتحدة المتواجدة منذ العام 1978. جيشنا مهمته التي ذهب من اجلها الى الجنوب بقرار من الحكومة اللبنانية الدفاع عن الوطن وحماية المواطنين وارزاقهم وامنهم . الان الوطن تخترق سيادته وارضه ومواطنون يخطفون بين الحين والاخر ويعتدى عليهم وعلى حقولهم . ما هو القرار السياسي للحكومة؟

حتى الآن نحن صبرنا لاننا لا نريد ان نسجل أي خرق للقرار 1701 الغير مقدس، لاننا نعرف ان أي خرق بسيط منا ولو كان دفاعا شرعيا ستقوم الدنيا ولن تقعد. "اسرائيل" منذ وقف النار تقوم بخروقات واعتداءات وتجاوزات والعالم يسكت. لكن ثقوا تماما لن نصبر طويلا واذا تخلفت الدولة والحكومة عن مسؤوليتها في حماية الارض والمواطنين، فالشعب اللبناني سيتحمل المسؤولية كما تحملها منذ العام 1982.

واقول للصهاينة اذا كان من احد قدم لكم ضمانات امنية انا لا اعرف، واذا كان من احد قدم هذه الضمانات تحت الطاولة او فوقها فهذه الضمانات تعنيه هو ولكنها لا تعني المقاومة في لبنان ولا تعني شعب لبنان.

المطلوب اذا ان نشحذ همتنا الوطنية وان نقف خلف جيشنا الوطني وان نسانده وندعمه وان يجهز باحسن تجهيزات ليكون حارسا للوطن وللقرى والبلدات والحقول والفلاحين والكنائس والمساجد وليس حاميا لاحد اخر .

بالنسبة لليونيفل المعززة: نحن رحبنا بكم واجدد ترحيبي بكم في اطار مهمة واضحة، مهمتكم مساندة الجيش اللبناني وليست مهمتكم التجسس على حزب الله او نزع سلاح المقاومة. هكذا قال السيد الامين العام كوفي انان ومسؤولون عديدون. حتى هذه اللحظة لم اسمع من أي دولة شاركت في اليونيفل انها ارسلت ابناءها وجنودها للدفاع عن لبنان واللبنانيين، يخجلون بنا ان يقولوا جاؤوا ليدافعوا عنا ولكنهم يتحدثون عن الدفاع عن "اسرائيل". اليونيفل مرحب بهم طالما انهم ملتزمون بمهمتهم. وانا ادعو قيادة القوات الدولية في لبنان الى الانتباه لانني سمعت بعض المعلومات والمعطيات ان هناك من يريد ان يجر هذه القوى الدولية الى صدام مع المقاومة وسمعت انه في بعض الجلسات قيل ان وجود قوات دولية سيعيد توازن قوى الداخل في لبنان. هذا الكلام خطير، القوات الدولية جاءت من اجل مهمة محددة ولا يجوز لها ان تتدخل في الشأن اللبناني الداخلي وتؤدي الى تورط من هذا النوع.

فيما يتعلق في السجالات السياسية نحن ما كنا نريد ان ندخل في سجال سياسي مع أحد. في مرحلة الحرب سمعنا الكثير من الاذى وسكتنا وصبرنا وبعد انتهاء الحرب استمر السجال والهجوم والاعتداء الاعلامي والسياسي على المقاومة وعلينا. لكن في البيانات الأخيرة وصلت الامور الى حد لا يطاق. الله لا يرضى للمؤمنين الذل، لقد وصل الاعتداء الاعلامي السياسي على المقاومة في لبنان خلال الحرب وصبرنا عليه ولكن وصل بعد الحرب الى حد لا يطيقه الا الانبياء ونحن لسنا انبياء.

ان يقف شخص ليقول نفهم، اثنان نتفهم، ثلاثة نستوعب، ولكن ان تجتمع قوى سياسية بقضّها وقضيضها في البريستول لتأتي بنوابها وقياداتها وأعضاء مكاتبها السياسية ثم لتطلع على اللبنانيين بخلاصة تقول فيها ان الحرب التي حصلت في لبنان هي حرب ايرانية من اجل الملف النووي الايراني ومن اجل تعطيل المحكمة الدولية حقيقة هذا الامر ما كنا نطيقه مع اعتزازنا بعلاقتنا وصداقتنا مع الجمهورية الاسلامية في ايران بقيادة سماحة الامام القائد السيد الخامنئي، واعتزازنا بعلاقتنا مع سوريا قيادة وشعبا، نعم قيادة وشعباً بقيادة الرئيس الدكتور بشار الأسد. نحن سياديون ونحن استقلاليون، لا علاقة لهذا الامر في الحرب وماضينا يشهد اكثر من ماضيهم.

لكن ان يقال ان هذه الحرب التي شنتها امريكا و"اسرائيل" وقالت فيها كونداليزا رايس انها مخاض عسير لولادة شرق اوسط جديد وقال فيها اولمرت وبيريز، وفي الاخر تكون النتيجة ان تهدم بيوتنا وتقتل اطفالنا ونقاتل في حرب قال العرب انها حرب سادسة وقال الصهاينة انها الاولى والنتيجة اننا نقاتل من اجل الملف النووي الايراني ومن أجل المحكمة الدولية، هذا كلام عيب، هذا كلام فيه غمز. نحن نحترم كل الحريصين علي وعلى عمّتي والجبة، انه يا سيد لا تدخل في السجال، الشباب والقيادات في الحزب هي التي تدخل في السجال, لكن هناك حدّ, حتى انا (عمامتي ولحيتي ليستا أشرف من هذه المقاومة وهؤلاء الناس) اذا كان لعمامتي ولحيتي شرف فهو منكم ومن هذه المقاومة ودماء شهدائها.

انا ادعو الى وقف السجالات والى تجنب العبارات السخيفة والمؤذية والقاسية وان نبقى في اطار التنافس السياسي المنطقي والمعقول لان مصيرنا في النهاية واحد ولان في نهاية المطاف يجب ان نبني لبنان سويا، ولكن لن اسكت انا حسن نصرالله ولن اسكت عن اهانة شعب المقاومة. قبل ايام قام زعيم من الزعماء الكبار في قوى 14 شباط ليقول ولو بهدوء ان جمهور المقاومة بلا تفكير، هل انتم بلا تفكير .أنا لا أسمح بذلك .من يقبل هذه الاهانة. وانا احترم جمهوره واحترم شبابهم ونسائهم واحترم خياراتهم اذا كانت وطنية ولكن لا يمكن ان نقبل ان يهين جمهور المقاومة أحد وعليه ان يعتذر. نحن لسنا حزبا شموليا ولسنا نظاما شموليا ولسنا فئة شمولية، انا لا ابي كان (بيك) ولا جدي كان (بيك) ولا ابني سيكون (بيك). نحن لا نريد أي جدل سياسي، ونحن حريصون من خلال أي صيغة حوار ان نخرج من الانقسام السياسي في البلد. نحن ملتزمون ومن دعاة الدولة ومشروع الدولة وبناء الدولة واقامة الدولة ولكن نحن اصحاب كرامة، كرامتنا قبل كل شيء، لا يمكن ان نسمح لاحد ان يهدر كرامتنا من اجل ان يبني لنا بيتا وقد هدم من اجل كرامتنا . لا يتصور احد انه يمكن ان يشبع بطننا على حساب كرامتنا ونحن قدمنا دمنا من اجل كرامتنا، هذا نحن.

في هذا السياق انا ادعو للعودة الى الهدوء والتعقل ونحن امام شهر رمضان المبارك اعاده الله على اللبنانيين جميعا بخير ونطلب من الله ان يوفقنا لصيامه وقيامه وعسى ان يكون هذا الشهر فرصة للتأمل والتفكر والعودة الى الذات ولرؤية الحقائق، اخرجوا وانظروا الى الحقائق ولا تشتبه عليكم الامور ولا تبنوا اموركم على حسابات خاطئة.

زمن الهزائم قد ولى وقد جاء زمن الانتصارات.

المزيد...

٠٦ سبتمبر ٢٠٠٦

جريدة السفير: حوار سياسي شامل مع أمين عام «حزب الله» حول تداعيات حرب يوليو/تموز

- هل هناك خوف من تضييع الانتصار في الزواريب الداخلية اللبنانية؟ كيف تحتسبون النصر بالمقارنة مع الكلفة البشرية والاجتماعية والاقتصادية والإعمارية؟

بالنسبة إلى الوضع اللبناني، المشكلة الرئيسية هي ماذا نعتبر ما جرى أو ما آلت إليه الأمور، هل نعتبره نصراً أم هزيمة. وإذا اعتبرناه نصراً، فما هي حدود هذا النصر وقيمته حتى تصح مقايسة النصر بما قدم من تضحيات. وبالتالي يمكن أن نقول إن هذا النصر أخذت التضحيات من وهجه أو لم تأخذ، هذا هو مفتاح النقاش لكل هذه المسألة. ما يدعو إلى القلق هو الاختلاف في تقييم نتائج الحرب. وأنا برأيي أن الاختلاف في تقييم نتائج الحرب ليست له أسباب موضوعية وإنما ينطلق من الخلفيات السياسية أو المذهبية أو الطائفية، بالنسبة للكثير ممن يقدمون آراء مختلفة في هذه المسألة. لو ذهبنا بعيدا في العالم العربي والإسلامي عند الكثير من الخبراء الإستراتجيين الذين يقرأون نتائج الحرب ومجريات الحرب بشكل موضوعي، سنجد إجماعا على انتصار لبنان وانتصار المقاومة. وحتى لو ذهبنا إلى الكيان الإسرائيلي نفسه وحسب متابعتي سنجد أن هناك إجماعا إسرائيليا على فشل إسرائيل في لبنان. هزيمة إسرائيل في لبنان. حتى «دان حالوتس» رئيس الأركان وفي إطار الدفاع عن نفسه هو تحدث عن قصور في المؤسسة العسكرية وتجنب الكلام عن التقصير. والحديث عن القصور هو حديث لتبرير الفشل. لكن مع ذلك في لبنان قد نجد قراءات مختلفة لما حصل. هذا يثير مشاعر القلق الذي أشار إليه السؤال بكل تأكيد. هنا قد تكون هناك نية مسبقة لتشويه صورة النصر تدريجيا ولدفع الآخرين أحياناً إلى الانفعال وأحياناً إلى الاستفزاز من اجل إضاعته نهائيا.

هنا استطيع القول إن مسؤولية لبنان الذي اعتبره منتصراً وإذا أردت أن أكون دقيقاً أكثر: ’لبنان المنتصر‘. ومسؤولية اللبنانيين الذين يعتقدون أن لبنان انتصر ومسؤولية اللبنانيين الذين يعتقدون أنفسهم شركاء في صنع هذا النصر من المسلمين والمسيحيين من كل الاتجاهات والطوائف والتيارات السياسية أن يعملوا على حفظ هذا النصر وعدم السماح بتضييعه في الأزقة المذهبية والسياسية والطائفية. هذه مسؤولية كبيرة وكما كان يقال الحفاظ على النصر أحياناً أصعب من صنعه. استطيع القول إن الحفاظ على النصر في أي مكان من العالم أصعب من صنعه لكنه في لبنان أصعب بكثير. اكتفي بهذا الجواب الآن.

- الآن في الجانب الإسرائيلي، كيف هي التداعيات على بنية إسرائيل الإستراتيجية في المنطقة. إسرائيل قبل 12 تموز، هل ستبقى إسرائيل بعده، هناك من كان يقول إن هذه المعركة هي معركة حياة أو موت. ما هي التداعيات على الموضوع الفلسطيني باعتباره المدى المباشر للمقاومة في لبنان؟

هذا يعود إلى تقييمنا لما جرى، كيف نفهم ما جرى، يمكن أن نتوقع نتائجه وتداعياته. يمكن هنا أن أقدم خلاصة في الشق الإسرائيلي واعتقد أن هذا النصر في كلمة عامة استراتيجي وتاريخي وبرأيي ستكون له تداعيات كبيرة جداً على المستوى الإسرائيلي الفلسطيني وعلى مستوى العالم العربي وعلى مستوى المنطقة. أظن أنه ما زال الوقت مبكرا لاستكشاف ولاستيعاب النتائج الإستراتيجية والتداعيات الكبيرة لهذا الانتصار. من فلسطين إلى العراق إلى إيران، بل حتى إذا تجاوزنا المنطقة العربية.

في سياق الجواب سأركز على الموضوع الإسرائيلي الفلسطيني. بالنسبة للمعركة مع إسرائيل هي مسّت أسس المشروع الإسرائيلي والكيان الإسرائيلي، هذا الكلام ذكره كثيرون. عندما يقال كل دولة لها جيش إلا إسرائيل فهي جيش له دولة. الكيان الإسرائيلي هو جيش. هو معسكر. بالحقيقة هو ثكنة عسكرية كبيرة وضخمة. عنصر الأمن والأمان والاستقرار والطمأنينة والأمل في الكيان الإسرائيلي هو الجيش. وثقة الشعب الإسرائيلي بالجيش الإسرائيلي وثقة الجيش الإسرائيلي بنفسه وهذه الثقة منشؤها قوة الجيش سواء القوة الواقعية الحقيقية أو المصطنعة في عيون أعدائه. أحياناً لا تكون قوة حقيقية بل اقتناع الطرف الآخر بأنه ضعيف ومهزوم وانه يواجه جيشا لا يقهر. الحروب العربية الإسرائيلية عززت ثقة الجيش الإسرائيلي بنفسه وثقة شعبه به. مثلا نحن نعمل قياسا على عدد وشعب وجمهور المقاومة المباشر في مقابل إسرائيل وجيشها. هم كانوا يعملون من اجل قياس إسرائيل في مقابل الأمة العربية والشعوب العربية وعملوا منها أسطورة.

في العام 2000 اهتزت الأسطورة ولكن إسرائيل اعتبرت أنها تحتاج إلى فرصة لإعادة ترميم صورة الجيش، وبشكل أو بآخر تم التشكيك بالنصر عام 2000 حصل تشكيك لبناني وعربي. وحتى بعض الزعماء العرب قال إن إسرائيل لم تخرج مهزومة من لبنان عام 2000 وإنما اقتنعت بتطبيق القرار 425 وتحدث آخرون عن صفقة لبنانية إيرانية سورية إسرائيلية. وذهب بعضهم أبعد من ذلك. ويمكن القول أيضاً عن انتصار ال2000 إن المقاومة التي تخوض حربا طويلة على مدى 18 عاما ونتيجة استنزاف طويل الأمد لجيش نظامي يمكن في نهاية المطاف أن تفرض على هذا الجيش النظامي أن يخرج. هذا نصر ولكن هذه هي حدوده. ليس له آثار إستراتيجية كاملة. لكن ما حصل الآن في هذه المواجهة إنه اثبت خطأ بعض ما كان يقال على طاولة الحوار في نقاش الإستراتيجيات الدفاعية وما قيل في الأيام الأولى. كان يقال إن المقاومة الشعبية تستطيع أن تحرر الأرض من خلال حرب استنزاف طويلة المدى لكنها لا تستطيع أن تصمد أمام اجتياح. ولا تستطيع أن تمنع احتلال البلد وسقوط البلد في قبضة الجيش الإسرائيلي.

جاءت هذه الحرب لتثبت قدرة المقاومة العالية على الصمود وتسقط أسطورة الجيش الإسرائيلي بلا نقاش. في العام 2000 كان هناك نقاش. الآن لا يوجد نقاش في هذه النتيجة. من الممكن أن المقاومة خلال 18 سنة حظيت باحترام كبير في العالم العربي ولكن لم تستطع أن تتحول إلى أسطورة حقيقية. بعد حرب ال33 يوما تبدلت المواقع: الجيش الذي كان أسطورة أصبح مثالاً للفشل والارتباك والضياع؛ والمقاومة التي توقع الكثيرون وراهنوا على سحقها خلال 48 ساعة أصبحت هي الأسطورة. هذا الأمر الأساسي الذي يقوم عليه الكيان وهذا ما فهمه «شيمون بيريز» بخبرته وتجربته الطويلة عندما قال "هي مسألة حياة أو موت". وهو الآن ما يناقش في داخل الكيان وإذا لم تتم معالجته بما يعني إقناع الجمهور الإسرائيلي بما يطمئنه ويعيد الثقة، فأنا اعتقد أن المجتمع الإسرائيلي سيكون أمام تداعيات خطيرة جداً على المستوى الأمني والمعنوي والاقتصادي والسياسي وحتى المستوى الديموغرافي، هذا يعني إذا فقد شعب هذا الكيان الثقة بجيشه الحامي الذي هو الحصن الحصين لهذا الكيان، فان الكثير من الاستثمارات ستغادر وتهاجر والمزيد من الانشقاقات السياسية داخل الكيان ستحصل.

اليوم مستقبل «أولمرت» على المحك. مستقبل «بيريتس» على المحك، ورؤساء أحزاب. وهناك أحزاب مستقبلها على المحك، وفي مقدمتها «كاديما» وهو حزب بكامله مستقبله على المحك. يكفي لو توقفت فقط عند هذه الآثار من دون أن أتناول جوانب أخرى حتى لا أُطيل الكلام من اجل القول إن هذا نصر استراتيجي تاريخي. واليوم في إسرائيل يتكلمون عن الآثار الداخلية، حتى إن بعض الخبراء الإستراتيجيين تكلموا عنها وأيضا بعض الحكام العرب. نعم إسرائيل التي كانت تخيف الأنظمة العربية وكان يقال إن المقاومة تحرر ولكن لا تستطيع أن تقف أمام جيش بهذه القوة. المقاومة ليست ميزتها أنها صمدت، الأهمية أنها ألحقت خسائر كبيرة جداً وفادحة بالإسرائيلي وهذا لا يمكن إخفاؤه عن الشعب الإسرائيلي ولا يمكن إخفاؤه عن العالم رغم الحصار الإعلامي الذي حصل.

إذا في الأساس إذا قلنا إن المعركة في العمق هي معركة إرادة، استطيع أن أقول إن إرادة المقاومة صمدت وإن الإرادة الإسرائيلية اهتزت بدليل أن إسرائيل اضطرت لوقف الحرب. والذي يصدق أن الضغط الدولي أوقف الحرب الإسرائيلية هو واهم وليسمح لي هو لا يعرف حقيقة الوضع السياسي في العالم وكيف تدور الأمور في العالم. العنصر الرئيسي الذي أوقف الحرب هو الفشل الذريع الذي أصاب العملية البرية في الأيام الأخيرة وحجم الخسائر، وخشية القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية من الذهاب إلى ما هو أسوأ واخطر وما هو كارثي أكثر على الجيش وعلى الكيان، إضافة إلى صوت دولي تصاعد وأدّى إلى وقف الحرب.. لكن بالدرجة الأولى لو كانت إدارتا «بوش» و«أولمرت» على ثقة بأنهما لو استمرتا في الحرب لأسبوع أو أسبوعين إضافيين يمكن أن تحدثا تغييراً نوعياً في مسار المعركة لاستمرت الحرب ولم تتوقف يوم الإثنين. هذا يعمق الأثر الإستراتيجي للمعركة ومن هنا ثقة الشعب الإسرائيلي بجيشه وكيانه ستتراجع. وثقة الشعوب العربية وثقة الشعب الفلسطيني أن خيار المقاومة يمكن أن يصنع انتصاراً في هذا الحجم ستقوى، برأيي هذا أمر ستكون له بالتأكيد تأثيراته على أصل وجود الكيان على المدى المتوسط أو البعيد. طبعا لا أدعي ولا يدعي أحد أن هذا ستكون له تداعيات وجودية قريبة وسريعة.

طبعا نحكي عن وجود كيان ومستقبل كيان ومستقبلنا لكن يبقى في الشق الفلسطيني الهاجس الأساسي أن الفلسطيني هو يملك فكرة المقاومة ومشروعها وإيمانها وإرادتها ويجب أن تمكنه من أن يمتلك بقية العناصر التي توفرت في تجربة الحرب الأخيرة كي يتمكن من صنع نصره أيضاً. أما استمرار الحصار المفروض على الفلسطينيين وجزء من هذا الحصار المفروض للأسف عربي فقد يجعل إمكانية توظيف هذا النصر سريعا على الساحة الفلسطينية إمكانية محدودة.

- هل ترون أن إسرائيل ستعود إلى شن الحرب بعد تنظيم وضعها الداخلي إما ضد لبنان مجددا أو الذهاب نحو حرب أسهل مع سوريا؟

مع التأكيد على الطبيعة العدوانية لإسرائيل وعندما أقول ’يمكن أو لا يمكن يستبعد أو لا يستبعد‘ الأمر ليس له علاقة بطبيعة إسرائيل ولا بنواياها وإنما له علاقة بالظروف والإمكانات المتاحة. لو أتينا إلى هذه الحرب قليلاً وهذا قد يساعد في التقييم. هذه الحرب كان هدفها القضاء على «حزب الله». هذا هو الهدف الرئيسي والمباشر وبالتالي إخضاع لبنان نهائيا للإرادة الأميركية التي هي في المنطقة إرادة إسرائيلية وهذا الهدف أعلنه الأميركيون والإسرائيليون منذ الأيام الأولى، أنا لا احلل ولا اجتهد، هناك شيء يقولونه وهذه نصوصهم واضحة ولا تحتاج إلى اجتهاد. ومع ذلك إسرائيل عجزت عن القضاء على «حزب الله». باعتبار ذلك هو الهدف الأعلى بل عجزت عن تحقيق كل الأهداف المعلنة للحرب من القضاء على «حزب الله» نهائياً وبنيته العسكرية إلى القضاء على البنية الصاروخية ل«حزب الله»، إلى إخراجه من جنوب لبنان وجنوب الليطاني إلى استعادة الأسيرين بلا قيد أو شرط. أي من هذه الأهداف المعلنة لم تستطع إسرائيل أن تحققه. آخر انجازات «أولمرت» التي يقول إنه أنجز شيئاً هو أنه وضعني في الملجأ. انتهت الأهداف للحرب الإسرائيلية بأن يضعوني في الملجأ. هذه حرب طويلة عريضة أتت بالنهاية بهذا الهدف.

في هذه الحرب إسرائيل استخدمت، ’لا أريد أن أقول كل قوتها‘ ولكن الجزء الأكبر والأهم من قوتها. من الناحية النوعية لم يبق شيء لم تستخدمه إسرائيل إلا السلاح النووي. أنواع الطائرات الإسرائيلية على اختلافها استعملت في هذه الحرب. أحدث أنواع الدبابات، ألوية النخبة جلبتها إلى الحرب، لواء «غولاني» و«جيفعاتي» سحبوه من غزة وجاءوا به إلى الحرب أيضاً وحدات المظليين. أتوا أيضاً ب40 ألف جندي. ثلاث فرق احتياط. بالنسبة إلى حجم النار نفذوا 9 آلاف غارة جوية وليس طلعة جوية يعني أن الطيران قصف. تكلموا عن 175 ألف قذيفة خلال 33 يوما. حجم النار الذي استخدم كان كبيرا جداً. صواريخ الطائرات الإسرائيلية استنفد مخزونها الإستراتيجي ولذلك حتى الصواريخ التي كانت معزولة من اجل التلف تم قصفها واستخدامها في لبنان. وإسرائيل احتاجت من الأميركيين ليس فقط للصواريخ الذكية بل إلى كل أنواع الصواريخ التي تقصف بالطيران.

الأهمية في تلك التفاصيل أن إسرائيل استخدمت جزءا كبيراً من طاقتها يعني هناك مئات الطائرات كانت تحلق وتقصف في لبنان، هم ليسوا قادرين على إخراج كل سلاح الجو واستخدامه في لبنان. لم تعد هناك أهداف ليضربوها، لأن لبنان صغير ولا يتحمل كل طائرات إسرائيل تحلق وتقصف فيه أهدافاً. إسرائيل بهذه الطاقة والإمكانية الهائلة وبتأييد أميركي ودولي وخذلان عربي كبير للبنان. ومع ذلك (لنكن متواضعين) فشلت إسرائيل في الحرب ولحقت بها خسائر أضرت بصورة جيشها وبفاعليته، بالجندي والدبابة. حتى الدول التي أقامت صفقات مع إسرائيل لتشتري «ميركافا» الجيل الرابع تراجعت عن الصفقات. في الحرب مع المقاومة الشعبية تتحول الدبابة المحصنة إلى تابوت. إسرائيل التي تعاني ما تعانيه من الفشل في لبنان، هل تذهب إلى حرب جديدة؟ برأيي هذا الأمر يحتاج إلى وقت طويل حتى لا انفي الذهاب إلى حرب جديدة. أما باتجاه لبنان فبالتأكيد الإسرائيلي عندما يريد أن يذهب إلى حرب جديدة مع لبنان سيحتاج إلى آلاف الحسابات وخصوصا إذا انتهينا في الوضع اللبناني إلى وضع داخلي معقول بعد انتشار الجيش وقوات «اليونيفل» ولم يمس سلاح المقاومة. وبالتالي إذا بقيت المقاومة وبقي سلاحها وبقيت القوة التي ألحقت الهزيمة بإسرائيل في هذه الحرب. طالما هذه القوة موجودة فإسرائيل سوف تحسب حسابات كبيرة وطويلة لمعاودة الحرب على لبنان.

أما أن تذهب إسرائيل إلى الحرب باتجاه آخر فأنا لا اعتقد ذلك. ولمن يتصور أن الحرب مع سوريا ستكون أسهل هو أيضاً مخطئ. أريد أن أقول شيئا إنه في الوقت الذي كانت إسرائيل تهاجم لبنان ومن المفترض أنها تستهين بسوريا (كما يحاول البعض أن يستهين بسوريا) وفي الوقت الذي كانت تعلن فيه إسرائيل أن الصواريخ التي قصفت حيفا والخضيرة والعفولة هي صواريخ سورية الصنع، وفي نفس تلك الأيام كان وزير الحرب الإسرائيلي «عمير بيريتس» يؤكد على مدى عدة أيام إنهم لا يريدون استهداف سوريا ولا فتح جبهة معها. هذا مؤشر. وهناك مؤشر آخر مهم جداً. عندما أعلنت سوريا أنه إذا اقترب الإسرائيليون من حدودها البرية فسوف تدخل المعركة. الملاحظ في كل الحرب الإسرائيلية الأخيرة أنه لم يقترب الإسرائيليون من الحدود السورية برا ومع العلم إن محاور مزارع شبعا هي محاور مهمة جداً والمساحات مفتوحة ويمكن للإسرائيلي أن يتحرك فيها بقوة للالتفاف على المقاومة في منطقة جنوب النهر، مع ذلك في هذه المنطقة لم يحرك الإسرائيلي فيها ساكنا وتجنب الاقتراب من الحدود السورية، فهذا يعني أن الإسرائيلي كان يعمل حسابات كبيرة جداً لاحتمال الصدام مع سوريا أو إدخال سوريا في الحرب. هذا يحتاج إلى تقييم أكبر وأدق ولكن أنا شخصيا أميل إلى القول إن الإسرائيلي يحتاج إلى وقت طويل للتفكير بحرب جديدة ليس فقط مع لبنان بل حتى مع سوريا. أنا اعتقد أن نقطة الضعف الوحيدة التي سيركز عليها الإسرائيلي ويحاول من خلالها ليس استعادة صورة ردع وإنما سيحاول من خلالها المنع من توظيف الانتصار في لبنان، هي في الوضع الفلسطيني لأن الفلسطيني محاصر ومقطع الأوصال، ظروفه صعبة وان كانت إرادته صلبة ومعنوياته عالية، فالجهد الإسرائيلي سيتركز هناك أكثر.

- في موضوع ملف سلاح المقاومة ومسألة القول إنه لو جرى تقدير النتائج لما حصلت العملية وكيف استخدم «أولمرت» الأمر داخليا؟

كلامي مع محطة ال «نيو تي في» هو تأكيد لما قلته أثناء الحرب وأنا أسهبت في هذه النقطة والحديث عن أنه "لو كنا نعلم أو كنا نحتمل" جاء في سياق هذا الحديث ولكن للأسف تم اقتطاع هذا الجزء بخبث وذلك من اجل تركيب مواقف سياسية وبناء تحليلات سياسية على أساسها.

عليه، لو أردت أن أُعيد صياغة ما قلت من جديد، أنا قلت بشكل واضح جداً أن عملية الأسيرين دفعت الإسرائيلي للقيام بحرب في تموز كان سيقوم بها في تشرين الأول. ولو قام بها في تشرين الأول لكانت الكارثة كبيرة جداً جداً جداً على لبنان وعلى المنطقة، ولكانت النتائج سيئة جداً جداً جداً. عملية الأسيرين من حيث لا نعلم (وأنا كنت شفافا) أحبطت الخطة المعدة والتي كانت معدة بإحكام ولكن كان توقيتها في أوائل الخريف وكانت تحتاج إلى استكمال بعض الجهوزية وبعض المعطيات ولأسباب أخرى. لذلك أنا كنت واضحاً وقلت أن الحرب ليس سببها عملية الأسيرين. الحرب هي قرار أميركي إسرائيلي ومغطى من أماكن معينة، والحرب مجهزة ويستكمل التجهيز لها والتوقيت محدد وكانت تعتمد على عنصر المفاجأة بشكل أساسي ولها سيناريو وحتى أن السيناريو الذي طبق ليس هو المقرر. عندما حصلت عملية الأسيرين وسقط هذا العدد من القتلى استُفز الإسرائيليون ووجدوا أنفسهم أمام واقع إما أن يتحملوا ما حصل أو يذهبوا إلى المعركة المقررة في أوائل الخريف. معلوماتنا أنه بعد التشاور مع الأميركيين في اليوم الأول تقرر الذهاب إلى المعركة التي كانت معدة للتنفيذ في تشرين. نحن أفقدناهم عنصر المفاجأة. فرضنا عليهم توقيتاً غير التوقيت الذي اعد له بدقة وبالتالي حصلت المعركة ونحن مستنفرون ومتهيئون وهم ليسوا جاهزين بينما لو حصلت في تشرين لكانت ستبدأ المعركة بلا ذريعة لأن أي ذريعة كانت ستعني بالنسبة لنا لفت الانتباه. لو جاء إلى جنوب لبنان في تشرين من يضع صواريخ مجهولة ويطلقها على فلسطين المحتلة، حزب الله سيستنفر بطبيعة الحال لأنه سوف يحتمل قيام إسرائيل برد فعلي ما. الحرب التي كانت ستبدأ في تشرين كانت ستبدأ بشكل مفاجئ جداً ومن دون أي ذرائع وإسرائيل لم تكن بحاجة إلى ذريعة لأنها تحظى بتأييد أميركي مطلق وسوف تحتسب الحرب في تشرين بالحرب على الإرهاب وبالتالي لها المشروعية الكاملة وليست بحاجة إلى ذريعة أو حجة الدفاع عن النفس أو ما شاكل.

نعم كنت شفافا وصادقا عندما قلت إننا عندما ذهبنا لننفذ عملية الأسيرين لم نكن نقصد استدراج الإسرائيليين إلى الحرب في تموز بدلا من تشرين. أكيد لم نكن نقصد ذلك، نحن كنا نعلم أنه في يوم ما الإسرائيلي والأميركي سيخوضان ضدنا حربا قاضية وحرب إبادة، ولكن بالتأكيد لم نكن نعرف التوقيت وكنا نراقب الظروف والمعطيات السياسية. عندما يوجه إليّ السؤال لو عدنا إلى 11 تموز ويقال لك إن عملية الأسر ستؤدي إلى حرب تؤدي إلى هذا الدمار وسقوط كل هؤلاء الشهداء والى ما هناك. إذا كان الجواب "نعم" يعني حتى لو كنا نحتمل أو نعلم أن أسر الجنديين الأسيرين سيؤدي إلى هذه الحرب الواسعة فكنا سنذهب إلى الأسر. لو قلت ذلك فسأكون كاذباً وسيقف الخبثاء للقول انظروا هؤلاء لا يعنيهم البلد ولا دماء الناس.

بكل بساطة كنت استطيع أن أهرب من السؤال، والآن يمكنني ذلك وأن أقول على كل حال الحرب ليس لديها علاقة بأسر الجنديين الإسرائيليين ولكن لأنني أعرف أن هذا السؤال موجود عند الناس وأثير بقوة في زمن الحرب. اعتبر أن من مسؤوليتي الحقيقية أن أجيب عنه، وقلت نعم لو كنا نحتمل لما أقدمنا في هذا التوقيت على عملية الأسيرين. ولكن هذا الكلام جاء في أي سياق؟ جاء في سياق أنه حتى هذا الاحتمال ليس وارداً على الإطلاق وأن لا أحد في الدنيا لو يدرس ويقيم ويحلل كان يفترض أن أسر جنديين يؤدي إلى حرب بهذا المستوى لأن الحرب لا صلة لها بأسر الجنديين. هذه الحرب هي خارج أي منطق أو معيار أو قانون أو ضوابط. وفي كل تجارب الحروب العربية الإسرائيلية وتجارب المقاومة في حربها مع إسرائيل وتجارب حروب العالم في التاريخ كله، لم يؤد أسر جنديين إلى حرب. نعم الأسر أُستغل لتوقيت الحرب وبرأينا هذا كان من مصلحتنا ومصلحة لبنان وانه استعجل حرباً كانت ستحصل بشكل قاطع ولذلك إذا كنت أريد أن استعمل عبارات لا يمكن اجتزاؤها أو اقتطاعها، أنا أقول لم نخطئ التقدير وكانت حساباتنا دقيقة وصحيحة وأيضا لسنا نادمين وأنا لم ألق خطاب ندم أو هزيمة كما قال بعض الإسرائيليين بل كان خطابي خطاب انتصار من اليوم الأول. وأنا في اليوم الأول، عندما كانت الغيوم سوداء كنت واثقا بأن النصر آت وهذا ما يجمع عليه كل خبير موضوعي الآن ويقيم ما حصل. واعتقد وهذا قلته أكثر من مرة إن ما حصل في توقيت وقرار العملية وما أدت إليه كان توفيقاً إلهياً ولطفاً إلهياً، ولو أننا لم نذهب إلى تلك العملية وبقينا غافلين إلى تشرين لكان لبنان غير لبنان ولكن بشكل آخر كما قال «طلال سلمان»، ولكانت إسرائيل غير إسرائيل ولكن بشكل آخر. لكانت إسرائيل في تشرين ومن خلال عامل المفاجأة والاستفادة من عوامل عدة أخرى لكانت راهنت على القضاء على المقاومة في لبنان وهذا كان سيؤدي إلى استسلام لبنان إلى أميركا وإسرائيل، وسوف يؤدي إلى أفق قاس وخطير على مستوى المقاومة الفلسطينية، على مستوى موقع سوريا، على مستوى مشروع المقاومة على امتداد العالم العربي. لذلك اكرر وأقول لسنا نادمين ولم نرتكب أي خطأ وكانت تقديراتنا صحيحة وان ما حصل هو أهم بكثير من التقديرات التي كنا نتحسب لها، نعم لو تجاوزنا كل هذه المشاريع والجوانب الأساسية في القضية وحشرنا أنفسنا في زاوية وقلنا لو كنا نحتمل، لفعلنا أو لم نفعل، الجواب المنطقي لما كنا فعلنا. لو حصرنا الموضوع في عملية الأسر ورد فعل عليها، لكن حقيقة ما حصل في تموز خارج هذا السياق والمنطق بالكامل.

- يقال إنه حصلت ردة فعل إسرائيلية واسعة على خطف الفلسطينيين للجندي الإسرائيلي في غزة قبل 12 تموز؟ الم تصلكم الإشارة؟

كنا جاهزين لهذا المقدار وهذا ما كنا نتوقعه، حجم رد الفعل الذي توقعناه هو رد فعل قاس انتقامي محدود والذي حصل في غزة هو في هذه الحدود ليس أكثر. الإسرائيلي لم يقم باجتياح أو تدمير قطاع غزة ولم يقم بما فعله في لبنان، مع العلم أن أسر الفلسطينيين لجندي في غزة هو أشد إذلالاً للإسرائيلي من أسر جنديين في لبنان. حسب الإمكانات المتوافرة لدى الفلسطينيين قياسا لإمكانات المقاومة في لبنان، ما كانت ردة فعله في غزة، نحن افترضنا أن ردة فعله في لبنان يكون على هذا الشكل أو أكثر ولكن ما قام به الإسرائيلي في لبنان ليس رد فعل وإنما فعل مقرر استعجل زمنياً. الشهداء في غزة، أجروا إحصاء قبل عملية الأسر، كل شهر كان عندهم 30 أو 40 شهيدا. ولم يتغير شيء.

بالمناسبة، أنا أتفهم أن الإسرائيلي يقتطع هذا الجزء ليستفيد منه مثلا «أولمرت» ليحاول أن يتحدث بما يساعده على التخلص من لجنة تحقيق أو مشاكل. وأنا طبعا لم أكن اقصد ذلك، أنا كنت أتكلم بالصدق والشفافية التي كان يحتاج إليها الناس ويتطلع إليها الناس، لكن كنتيجة قيل لي وقرأت أن «أولمرت» يحاول الاستفادة من هذه الجملة، وأنا لا أمانع بأن يستفيد «أولمرت» منه. وأنه إذا ما خُيرنا بين رئيس حكومة أحمق وغبي وضعيف يستمر في إدارة هذا الكيان وبين رئيس حكومة بديل عنه قوي ومقتدر فنحن نفضل بقاء رئيس الحكومة الغبي والأحمق. وإذا كان بعض كلامي المقتطع يمكن أن يستفيد منه «أولمرت» فانا لا أمانع في ذلك.

لكن أنا آسف من الذين يفهمون اللغة العربية جيدا ويفهمون أن هذه الجملة جاءت في سياق موضوع متكامل وانه لا يجوز اقتطاعها عن سياقها الطبيعي، كيف قاموا باجتزاء هذه الجملة وتوظيفها بما يخدم قراءتهم غير الصحيحة لما جرى في لبنان. هذا مؤسف ولا أريد أن أتحدث عن أكثر من أسف.

- بعد صدور 1701 المشهد والالتباسات كثيرة. قرار ملتبس ومشهد ملتبس، ألا تقطعون الطريق على أي فرصة للبحث عن مرحلة ما بعد 1701 عندما تشددون على أولوية الحفاظ على سلاح المقاومة؟

هناك شقان. الأول له علاقة بما يمكن أن تستقر عليه الأمور في الجنوب، أنا بنظري الصورة واضحة، الجيش اللبناني يستكمل انتشاره في المنطقة الحدودية، من المفترض أن الجنود الإسرائيليين ينسحبون وقوات «اليونيفل» المعززة تنتشر في المواقع التي ستتفق عليها مع الجيش اللبناني والحكومة اللبنانية. وسيكون في منطقة جنوب النهر وصولا إلى الحدود الدولية جيش لبناني وقوات «يونيفل»، المقاومة أساسا سياستها هي تجنب المظاهر المسلحة. أما الآن فالأمر يتعدى الالتزام الذاتي والضمني والسياسة العامة إلى التزام رسمي ووطني تجاه الجيش اللبناني وتجاه الدولة اللبنانية.

هذا يعني أن المشهد سيكون في منطقة الجنوب، في جنوب النهر كما هو المشهد فعلا في شمال النهر. قبل 12 تموز في شمال النهر كان هناك جيش لبناني ودولة باسطة سلطتها على كل شيء في شمال نهر الليطاني والمقاومة موجودة بشكل غير معلن. هذا المشهد سيكون في جنوب النهر. المقاومة موجودة بشكل غير معلن وبالتالي الجيش اللبناني والدولة ومن خلال وجودها المباشر على الحدود حكما سوف تصبح هي المسئولة في التصدي لأي خروقات إسرائيلية وأنا قلت وأكرر القول إن المقاومة سوف يصبح دورها الأساسي هو المؤازرة والمساندة للجيش اللبناني الذي بات متواجدا بحسب هذا التصور على الحدود. ولكن بالتأكيد لو جاء الإسرائيليون كما حصل في بوداي مثلا ليقوموا بإنزال في هذه البلدة الجنوبية أو البقاعية فإن المقاومة الموجودة بشكل سري التي هي أبناء هذه البلدة سوف تتصدى للإنزال الإسرائيلي ولن تنتظر في إطار هذا التصدي إذنا من أحد لأن هذا دفاع مشروع عن النفس. لكن في الخط العريض الجيش هو المعني في مواجهة الخروقات من خلال وجوده على الحدود والمقاومة تتحول إلى قوة مؤازرة ومساندة. وأنا لا أعتقد أنه ستكون هناك مشكلة لأن المقاومة صادقة في التزامها من جهة ومنضبطة في أدائها من جهة أخرى. فقد يكون هناك مقاومة قيادتها ملتزمة ولكن كادرها وأطرها وأفرادها غير منضبطين. هذا قد يؤدي إلى مشكلات ميدانية يخشى من تطورها. هذا الأمر بالنسبة لمقاومتنا محسوم. القرار الصادر عن مجلس الوزراء الذي اخذ الكثير من النقاش داخل مجلس الوزراء هو قرار واضح يحدد مهمة الجيش في جنوب لبنان، وليس من مهمة الجيش نزع سلاح المقاومة وليس من مهمة الجيش التجسس على المقاومة ومداهمة الأماكن التي قد تحتفظ فيها المقاومة بسلاح لها.

إذا ليس هناك أي مبرر لأي مشكل، وقيادة الجيش ملتزمة أيضاً من جهة على مستوى عقيدتها ومن جهة على مستوى انضباطيتها كمؤسسة رسمية بهذا القرار. مهمة الجيش في الجنوب هي الدفاع عن الوطن وحماية المواطنين وممتلكاتهم وأرزاقهم وأمنهم. إذا ليس هناك من نقطة احتكاك قد يخشى من وجود إشكال فيها. «اليونيفيل» المعززة بحسب ما أعلنه الأمين العام للأمم المتحدة، إلا إذا صدر قرار جديد، ليست مهمتها نزع سلاح حزب الله وإنما مهمتها مساندة الدولة اللبنانية في بسط سلطتها ومساندة الجيش اللبناني. إذاً لا مشكلة. أنا أفترض أنه لا يوجد سبب لقيام مشكلة أو خلل ما، وبالتالي الوضع الداخلي في جنوب لبنان سوف يعود إلى الاستقرار الذي كان عليه خلال الست سنوات الماضية مع تبدل أن المتواجد على الحدود هو الجيش المعني بالتصدي للخروقات وليس المقاومة المتواجدة على الحدود المعنية مباشرة بالتصدي للخروقات. لذا أنا مطمئن ولست قلقا، طبعا إذا أخذنا الأمور بحسب القرارت المعلنة والعناوين المعلنة وبنينا على صدق النوايا. إذا كان هناك من فخ ما ينصبه الإسرائيليون في جنوب لبنان يريدون ايقاع أحد في هذا الفخ أو هناك لغم، المقاومة، الجيش، الحكومة في لبنان ليسوا ملتفتين له فهذا يمكن أن يتضح خلال وقت. ولكن المسار الطبيعي للأمور يقول إنه ليس هناك ما يدعو إلى القلق.

الشق الثاني الذي له علاقة بسلاح المقاومة كما قبل الحرب بعد الحرب، نحن لا نقول إن هذا السلاح ليس للمناقشة، إنه ما زال خاضعا للحوار والرئيس «نبيه بري» في خطابه الأخير أعلن باسمه وباسمنا أن من جملة الأولويات في المرحلة المقبلة هو محاولة التوصل أو الاتفاق وطنيا على إستراتيجية دفاع وطنية بالاستفادة من تجربة الحرب الضخمة التي خضناها. وبالتالي هذا الموضوع يجب أن يستكمل نقاشه، الآن في أي إطار صار هذا شكليا ولكن من حيث الجوهر يجب أن يستكمل نقاشه ونحن لم نقطع الطريق على أحد في هذا النقاش. حتى في آخر حوار صحافي لي أنا قلت إننا نحن لا نريد أن نحتفظ بهذا السلاح لأبد الآبدين. المقاومة كانت بديلا لفراغ الدولة، تعالوا (هنا نقدم حلا سواء كان مقبولا أو غير مقبول) وأوجدوا الدولة القوية القادرة المقاومة التي تطمئن الناس وتحمي الناس. هذا الذي يشكل مدخلا لأي نقاش في سلاح المقاومة ويمكن أن يحسم مصير هذا السلاح. إذا نحن ما زلنا منفتحين على أي صيغة يمكن الاتفاق عليها وطنيا لمناقشة هذا الأمر، ولم نقفل الباب على أحد على الإطلاق وحاضرين للمناقشة ليس فقط نظريا كما كان يجري قبل الحرب. وبالاستناد إلى تجربة المقاومة في العام 2000 أعتقد أن الحرب الأخيرة قدمت تجربة مهمة جداً يجب أن يستفيد منها لبنان في وضع إستراتيجيته الدفاعية بل يجب أن يستفيد منها لبنان أيضاً في طريقة إعادة تكوينه للجيش اللبناني وتقوية الجيش اللبناني وتسليح الجيش اللبناني، إذا أردنا أن نقوي الجيش اللبناني بما يمكنه من الوقوف بمواجهة إسرائيل، حتى لا ننفق في مجالات عبثية وغير مجدية.

- ما هو مصير الأسلحة والصواريخ؟ هل يجرى البحث في هذا الموضوع؟

بكل الأحوال من عام 1996 بعد عدوان نيسان، هذه الصواريخ كانت موجودة ولم تستخدم إلى 2006 أي عشر سنوات لم تستخدم. وهذه الصواريخ هي بالأساس ليست للاستخدام العملياتي اليومي، حتى عندما كان هناك عمليات يومية. هذه الصواريخ تستخدم في حال نشوب حرب كما حصل 96 و93 و.2006 والمقاومة ليست بوارد استخدام هذه الصواريخ على الإطلاق إلا في حال اعتدت إسرائيل وقامت بحرب على لبنان. هذا يحل مشكلة أنه الآن ماذا نفعل بهذه الصواريخ. نفعل بهذه الصواريخ أننا نحتفظ بها كما كنا نحتفظ بها منذ 96 إلى 2006 من دون أن نقوم باستخدامها. نحتفظ بها لأن هذه الصواريخ لا تستخدم إلا في حال حصول عدوان عسكري واسع على لبنان.

لو حصل عدوان جديد على لبنان، بالتأكيد الجيش مسؤوليته أن يدافع، المقاومة لها مسؤولية أيضاً أن تدافع كمقاومة شعبية. لكن هذا الأمر متروك للمستقبل. نحن نفضل في كل الأحوال أن لا يناقش هذا الأمر بشكل تجزيئي أي أن لا ندخل إلى هذا النقاش ونقول الصواريخ ماذا نفعل بها أو هؤلاء الشباب ماذا نفعل بهم أو هذا النوع من السلاح ماذا نفعل فيه. المناقشة التجزيئية للموضوع هي مناقشة غير عملية وغير مجدية. الأفضل أن ندخل إلى مناقشة شاملة ونقول في ضوء ما حصل وكل التجارب لبنان معني بالدفاع عن وجوده وكيانه واستقلاله وسيادته وأمنه في مقابل أي حرب إسرائيلية قد تشن في المستقبل.

هناك تطور جديد أن الجيش اللبناني أصبح موجودا على الحدود. هذا لم يكن موجودا قبل 12 تموز، في ضوء هذه التجربة كيف يمكن للبنان من خلال الإمكانات المتاحة إليه أن يدافع عن نفسه ونستكمل النقاش الذي كان موجودا على طاولة الحوار. المناقشة الشاملة أعتقد أنها توصل إلى نتيجة أفضل وتخدم حماية البلد دون أن تستجيب للشروط الإسرائيلية.

- إذا لم يكن هناك قرار سياسي بأن يتصدى الجيش للخروقات أو الاعتداءات الإسرائيلية، ماذا سيكون موقف المقاومة في المرحلة المقبلة؟

حسب قرار مجلس الوزراء مهمة الجيش في الجنوب الدفاع عن الوطن، صار الموضوع الأمني.

- في ضوء ما قاله الرئيس «بري»، حول استمرار المقاومة طالما أن مزارع شبعا وتلال كفر شوبا محتلة. ماذا سيكون موقف «حزب الله» ميدانيا من موضوع استمرار الاحتلال الإسرائيلي في مزارع شبعا؟

الموقف سياسي معلن وواضح، هذه أرض لبنانية محتلة ويجب أن تعود إلى لبنان. من مسؤولية الدولة كما كان من مسؤولية الدولة عام 1948 أن تدافع عن لبنان وبعدها أن تستعيد أي شبر محتل من أرض لبنان من عام 78 ل82 إلى اليوم مسؤولية الدولة هي أن تستعيد هذه الأرض. وعندما تريد الدولة القيام بهذه المسؤولية مسؤولية المقاومة أن تساندها وإذا تخلت عن هذه المسؤولية، مسؤولية المقاومة أن تباشر هذا الأمر. المقاومة حق مشروع لنا، لكن هل سنمارس هذا الحق في الزمان وفي المكان هذا الأمر متروك للوقت. أنتم لاحظتم أننا نحن من 2000 إلى 2006 مع التأكيد على هذا الحق تصرفنا بطريقة مختلفة مع احتلال مزارع شبعا عن الطريقة التي كنا نتصرف بها قبل العام 2000 لأسباب سياسية وأمنية وميدانية مختلفة ومتنوعة لذلك نحن يكفي أن نقول كما قال الرئيس «بري» أيضاً المقاومة هي حقنا ونحن نحتفظ بهذا الحق وهذه الأرض يجب أن تعود إلينا. اليوم يمكن أن يقال هل تعطون فرصة للدولة، الفرصة موجودة أمام الدولة حتى بعد العام ,2000 نحن لم نفتح جبهة في مزارع شبعا ولم نقم بعمليات يومية في مزارع شبعا، وإنما كنا نسميها ب’العمليات التذكيرية‘ وكان يفصل بين العملية والأخرى عدد من الأشهر. نحن الآن خارجون من حرب ولسنا مستعجلين للقيام بعمليات في مزارع شبعا. ولكن نحن نقول أن هذا حقنا ولا يجوز لأحد أن يقدم ضمانات وتطمينات أمنية مجانية للإسرائيلي الذي يحتل جزءا من أرضنا والآن الدولة أو الحكومة تستطيع أن تباشر.. على كل حال نحن سنواكب هذا الأمر وسنرى كيف ستسير الأمور.

- بعد الحرب لا بد من إعادة النظر بشكل متوازن بين سياسة وعسكرة الحزب، بمعنى الحزب كان لديه مواقعه ومخابئه وذخيرته وسلاحه، وكان يحارب على الجبهة، الآن هذه الجبهة أقفلت. المهمة العسكرية للحزب المقاوم لم تعد أولوية مطلقة، كيف تتصورون الانتقال من هذه المرحلة التي كان فيها الوجه العسكري هو البارز إلى الميدان السياسي؟ ما هو دور الحزب بعد حرب تموز؟

الحزب قد لا يحتاج إلى هذا التحول الدراماتيكي على مستوى التنظيم لأنه كل ثلاث سنوات تكون للحزب مراجعة مؤتمرية تنظيمية وتطويرية لأجهزته وإمكاناته وإجراء تعديل مناسب بهيكليته يماشي التوسع القائم في الساحة سواء على المستوى السياسي أو الشعبي أو المهام المحددة.

إذا قد لا نكون نحن أمام تحول كبير من هذا النوع لسبب أن تركيبة الحزب خصوصا من عام 1990 وصاعدا، كان الجسم العسكري المعني بالمقاومة يتفرغ لشانه ومهمته وهناك جسم كبير أيضاً تنظيمي وشعبي وسياسي يتفرغ لهذا الجانب ولم يكن أحدهما يتأثر سلبا بالآخر بل كان يتأثر به إيجابا. يعني انجازات المقاومة كان يستفيد منها الجسم الآخر على مستوى المزيد من الاستقطاب والحضور الشعبي والفعالية السياسية والنشاط الإعلامي. المزيد من الاحتضان الشعبي والحضور السياسي كان يؤمن قدرة إضافية للجسم الجهادي في «حزب الله».

إذا، تركيبة «حزب الله» خصوصا بعد عام 90 والتطور الذي حصل في جسم «حزب الله». هناك تطور في الجسم الجهادي هذا صحيح ولكنه مخفي. لكن إذا عدنا إلى 2005 وقارنا بين «حزب الله» 2005 و«حزب الله» 1990 في حجمه وإمكاناته وقدراته ونشاطه السياسي ومؤسساته، الصورة مختلفة تماما.

يوم الاثنين يوم وقف الأعمال الحربية، عندما أعلنت عن بدء المساعدات للنازحين ومشروع تأمين البدائل المؤقتة والبدء برفع الأنقاض، تصور البعض أن على الذين كانوا يقاتلون أن يخلعوا ثيابهم العسكرية ليبدأوا بعملية البناء. هناك جسم آخر كامل كان ينتظر في هذه اللحظة غير أولئك الذين كانوا يقاتلون. إذن تركيبة «حزب الله» خلال الخمسة عشر عاما الماضية أخذت هذا الجانب بعين الاعتبار ولذلك استطعنا في السنوات الماضية أن ندخل إلى الانتخابات وإلى النقابات وإلى المجلس وإلى الحكومة وأن نطور عملنا في مؤسسات مختلفة وحتى في مرحلة الجهوزية بين 2000 و2006 الحزب كحزب في القيادة السياسة والأطر السياسية والأطر التنظيمية لم تكن مشغولة ولا مستنزفة بالجهوزية العسكرية لأن للجهوزية العسكرية أجهزتها وأطرها الكاملة التي تستطيع أن تعطي وقتها الكامل وجهدها الكامل دون أن تؤثر على الوجود السياسي والحياة السياسية. أنا أتصور، أنه في ضوء ما حصل، أنا قلت أننا لا نحتاج إلى تحول كبير ولكن نحتاج إلى تطوير بالتأكيد، وهذا الحزب سيكون بمناقشته خلال الفترة المقبلة. يعني اليوم حجم المسؤوليات داخليا وعربيا هو مسؤوليات كبيرة جداً وأعتقد أن هناك إنجازات تحققت على المستوى الوطني وعلى المستوى العربي ويكفي أننا نضع هدفا للحفاظ عليها وهذا مما يضطرنا إلى تطوير بعض هيكليتنا وانجازاتنا أو أفكارنا أو برامجنا.

- هل هناك إمكانية لإعادة التفكير بالبنية التنظيمية والتوجهات الأساسية بإمكانية استقطاب والانفتاح بطريقة أزخم من السابق بحيث أن الرصيد الوطني والقومي العظيم الذي حققه الحزب سيساعده بتقديم نفسه خارج الشيعة وإنشاء شبكة سياسية جديدة من العلاقات السياسية مع القوى السياسية الممثلة للطوائف اللبنانية والتحالف مع هذه القوى؟

أنا أتصور أنه استنادا إلى تجربة الحرب الأخيرة يمكن إعادة النظر بالعديد من الأفكار والبرامج خصوصا فيما يتعلق بالعلاقات السياسية والمزيد من تمكين هذه العلاقات وتطوير هذه العلاقات وفتح هذه العلاقات على المستوى الوطني. ومن ايجابيات ما حصل في هذه الحرب إن الاتصال مع القوى السياسية والتيارات السياسية الأخرى تجاوز الأطر الرسمية والقيادية قهرا وليس بالتخطيط من أحد. عندما ذهب النازحون إلى المناطق اللبنانية الأخرى، بطبيعة الحال حصل في ظرف سياسي وأمني وإنساني خاص المزيد من الاحتكاك مع بقية اللبنانيين سواء مع السنة في المناطق السنية ومع المسيحيين في المناطق المسيحية أو مع الدروز في المناطق الدرزية. ونقلت بشكل عام بغض النظر عن بعض الاستثناءات الانطباعات التي عاد بها النازحون، وهي انطباعات ايجابية وجيدة جداً وحتى لو تم توصيف هذا التضامن بأنه تضامن إنساني وليس تضامناً سياسياً فإنه من أهم الإنجازات والبركات التي تحققت في هذه الحرب لأنه في ما أعرفه أنه لم يمر لبنان منذ عقود من الزمان في تضامن إنساني من هذا النوع وخصوصا في ظل التشنجات الداخلية والحرب الأهلية وما قبلها وما بعدها.

لعل البعض عندما وصف التضامن بأنه إنساني وليس سياسيا كان يحاول أن يقلل من قيمة هذا التضامن. بالنسبة لنا نحن لا نقلل من قيمة هذا التضامن لأننا نرى في هذا التضامن الإنساني قيمة كبيرة جداً لا تقل أهمية عن التضامن السياسي. والأمر الآخر، أن هذا حصل عشية أحاديث داخلية وخارجية عن أن لبنان يقف على خط الفتنة المذهبية والحرب الأهلية. فإذا به يقدم مشهدا مختلفا عن تضامن شعبي تنفتح فيه الطوائف على بعضها والمناطق على بعضها والناس على بعضها في ظروف حساسة وفي ظل أسئلة صعبة. هذا المعطى بالتأكيد سوف يترك أثراً كبيراً جداً على عقلية «حزب الله» وفهمه وأدائه وطريقة حركته وعلاقاته أي سيؤدي إلى تطوير وتحسين هذا التواصل. طبعا، هناك شيء تمت الإشارة له هو يحتاج إلى نوع من الدقة يعني مثلا أن «حزب الله» بقيادته وأفراده وانتمائهم غالبا أو بشكل كامل إلى الطائفة الشيعية، التطوير التنظيمي في هذا الاتجاه وقد طرح في أكثر من مراجعة في ظل الوضع اللبناني القائم يجب أن تراعى فيه بعض الحساسيات حتى في الاتصالات بسبب التعقيدات السياسية الداخلية.

مثلا نحن خلال العام الماضي وبسبب الحساسيات الخاصة التي كان يعمل عليها في لبنان نتيجة ما جرى في العراق وفي غير العراق في مسألة السنة والشيعة، أخذنا قرارا في «حزب الله» أن ننشط حركتنا بشكل أوسع وأكبر باتجاه إخواننا السنة في لبنان. نحن لنا في السابق علاقات مع مجموعة كبيرة من علماء المسلمين السنة، علاقة رسمية مع دار الفتوى، علاقة عميقة مع عدد من الحركات والتنظيمات الإسلامية وأيضاً اتصالات مع قيادات وطنية سنية. لكن في سنة ونصف سنة شعرنا أننا بحاجة إلى تحصين هذه العلاقة أكثر بمزيد من الانفتاح وانفتحنا على كل الاتجاهات والتيارات في الساحة السنية سواء كانت إسلامية التوجه، وطنية التوجه، لبنانية التوجه ليبرالية التوجه، من الجماعات الإسلامية إلى تيار المستقبل ولم نستثن أحدا من هذا الانفتاح. لكن نتيجة حساسيات الوضع اللبناني شعرنا أن حتى هذا الأمر هو بحاجة إلى بعض الدقة والمراجعة.

مثلا، نحن طلبنا من عدد من مسئولينا السياسيين وأطر العلاقات عندنا أن تقيم علاقات مباشرة حتى مع العائلات أي نذهب إلى بيوت العائلات ونجتمع مع وجهاء العائلات ونقدم لهم أنفسنا لنشرح لهم، لنجيب على تساؤلاتهم، لنقيم معهم علاقات مباشرة. وهذا حق طبيعي ويجب أن يحصل في لبنان. يعني لا يجوز أن تكون علاقة الشيعة مع السنة أو السنة مع الشيعة هي علاقة من خلال الزعماء أو من خلال الأحزاب والأطر السياسية يجب أن تكون علاقات شعبية مباشرة. للأسف وجدنا أن هذا النوع من التحرك قد يثير بعض الحساسيات وقد يسلط عليه الأضواء بطريقة غير مناسبة ليقال أن «حزب الله» يريد أن يخترق الساحة السنية وهذا أهون مما حاول البعض أن يروجه بأن لدى «حزب الله» مشروع تحويل السنة إلى شيعة ودعوة بعض السنة إلى التشيع، وهذه أكاذيب وافتراءات لا أساس لها من الصحة.

في كل الأحوال نحن ندرك هذه الحساسيات وأنا موافق على ما تفضلتم به في مضمون السؤال، «حزب الله» معني بمزيد من التحرك باتجاه الطوائف الأخرى والتيارات الأخرى. نحن مثلا لدينا تقييم ايجابي عن أكثر من ساحة. مثلا لو ذهبنا إلى الساحة المسيحية، في الساحة المسيحية ما قبل الحرب أو حتى ما قبل السنة والنصف الأخيرة هناك مساحة عند المسيحيين لنا علاقات قديمة ووطيدة معها سواء بعض الأحزاب المسيحية التي تحسب في الخط الوطني بحسب التقسيمات السابقة أو القيادات والشخصيات المسيحية التي لها حضور في الأحزاب الوطنية أو ذات الاتجاه اليساري، أيضاً في منطقة زغرتا وإهدن مثلا العلاقة هي علاقة قديمة مع الوزير السابق «سليمان فرنجية» الذي هو زعامة جدية وحقيقية لا أحد يستطيع أن يتجاهل حجمه وتمثيله الكبير و«تيار المردة» حتى في البيان التأسيسي الأخير الذي أصدره لمناسبة إعادة إحياء التيار، يتكلم عن سلاح المقاومة وسلاح «حزب الله» كما يتكلم «حزب الله»، يعني التزام كامل في رؤية على هذا الصعيد. عندما نذهب إلى المناطق المسيحية وطريقة التعاطي مع النازحين، لنا أن نتوقع أن تكون العلاقة طبيعية جداً في زغرتا وفي إهدن باعتبار أن هناك تحالفا قديما مع الوزير «سليمان فرنجية» وان نشهد في تلك المنطقة تعاطفا صادقا وقويا ومشكورا وكذلك في مناطق تواجد ووجود أحزاب سياسية معينة أيضاً هذا منطقي وطبيعي.

ما كان البعض يتصوره أن العلاقة التي انفتحت مؤخرا مع التيار الوطني الحر هي علاقة شكلية ورسمية ولكن تبدت في أرض الواقع أنها علاقة شعبية وطبيعية وهذا الأمر تبدى بشكل واضح في خلال الحرب وتحديدا في التعامل مع قضية النازحين. حتى عندما نذهب إلى المؤسسات التابعة للبطريركية يعني الأديرة والمدارس، بشكل عام أستطيع القول أن اليوم اندفاعة «حزب الله» وثقة «حزب الله» وإيمان «حزب الله» بضرورة الانفتاح وتشبيك العلاقات وتمتين العلاقات مع الأوساط المسيحية سواء كانت الصداقات قديمة أو كانت مستجدة خلال الفترة الماضية أو البحث عن علاقات وصداقات جديدة. أنا أؤكد لك أن هذه القناعة أقوى وأكبر بعد الحرب. في الوسط السني كذلك وإن كان حرصنا على العلاقة بهذا الوسط هو حرص قديم ينشأ من خصوصيات الساحة اللبنانية وخصوصيات الساحة الإسلامية وانعكاسات هذا الأمر على العلاقات الشيعية السنية في أي مكان في العالم. أيضاً على المستوى الدرزي سواء أولئك الذين كانوا في نفس الموقع السياسي معنا في هذه الحرب أو جزء من جمهور من لديهم ملاحظات سياسية أو قد نختلف معهم في الموقع السياسي تضامنوا إنسانيا وهذا لا يجوز أن نتجاهله على كل حال وعندما أنا أتحدث عادة عن المقاومة و«حزب الله» وإنها عنوان للوفاء أنا أؤكد وأعيد القول بأن من وقف معنا في هذه الحرب سواء سياسيا في الموقع السياسي أو إعلاميا من خلال الأداء أو ميدانيا سواء في القتال والدفاع المدني والصليب الأحمر الذي كان له دور كبير وقدم العديد من الشهداء على هذا الصعيد أو الذي احتضن النازحين إنسانيا من مختلف الطوائف ومن مختلف المناطق نحن نشعر بمسؤولية الوفاء تجاه هؤلاء وهذا يجب أن يترجم من خلال اتصالاتنا وعلاقتنا. أما تطوير الحزب ليدخل كحزب تنظيمي إلى مساحات جديدة هذا بحاجة إلى دراسة دقيقة لأنه يجب أن نراعي فيه الحساسيات حتى لا يقال إن الحزب يريد أن يتوسع.

- هل تعتبرون أن هذه الحرب قد فرزت الشيعة عن سائر مكونات المجتمع اللبناني، فصورتهم كأنهم شعب آخر...

كان هدف الحرب عزل الشيعة عن بقية الوطن ولكن هذا الهدف لم يتحقق لأن احتضان الوطن للشيعة سواء في الشق الإنساني الذي كان واضحا وجليا وشاملا أو في الشق السياسي الذي كان غالبا وكذلك في الشق الإعلامي وغيره، أعتقد أن نتائج هذه الحرب وآثار هذه الحرب على المستوى الشيعي، كما ذكرت قبل قليل سيدفع «حزب الله» إلى المزيد من التواصل على أساس الثقة والأمل في المستقبل، نفس هذه المشاعر أعتقد أنها مشاعر شيعية عامة وليست مشاعر «حزب الله» لوحده أو مشاعر حركة «أمل» لوحدها. في المحصلة حصلت الحرب أنا أعتقد أن توجه الشيعة باتجاه تمتين علاقاتهم وحضورهم وتقويتها مع بقية اللبنانيين سيكون أقوى في المرحلة المقبلة.

- هل كان للشيعة مشروع خاص عبر «حزب الله» وجرت المحاولة لضربه عبر العدوان الأخير؟

الحديث دائما عن مشروع خاص هو غير صحيح، «حزب الله» مشروعه معلن و«حزب الله» عنده رؤية معلنة على المستوى السياسي وهذه رؤية يتم تكرارها لأنه يمكن أكثر حزب يخطب هو «حزب الله» (يضحك).. وله حضور إعلامي وله تعبير عن قناعته ورأيه وأيضاً لديه برامج قدمها بشكل علني للناس في كل الانتخابات، وهو ذهب يترجم هذه البرامج. وبعض الذين يدعوننا للانخراط في الدولة اليوم، نقول لهم نحن شاركنا في انتخابات 1992 وهم قاطعوها، نحن شاركنا في انتخابات 1996 وهم قاطعوها، لكن هم اليوم يزايدون علينا بالدعوة إلى الانخراط في مشروع الدولة. نحن ليس لدينا مشروع خاص، نحن بشكل واضح نقول، وهذا الكلام ليس كلاما سياسيا، هو كلام فكري يستند إلى أسس فكرية ودينية، نحن في الرؤية الإسلامية الدينية وهذه رؤية إجماعية بين المسلمين أي ليست شيعية أو سنية. نحن نقول إنه لا بد للناس من أمام. بحسب اصطلاح ذلك الزمان الإمام يعني النظام يعني الدولة لا يمكن أن يعيش جمع من الناس على رقعة من الأرض بدون دولة بمعزل عن هوية ومضمون هذه الدولة. وكان دائما هناك نقاش فقهي أنه إذا دار الأمر بين نظام توجد حوله مجموعة كبيرة من الملاحظات وبين الفوضى أو الحرب الأهلية البعض كان يرى أن الأصل وجود نظام وعدم الذهاب إلى الفوضى وتحمل هذه السلبيات أولى من تحمل ما هو أفسد وهو الحرب الأهلية.

إذا حتى عندما أقول نحن نؤيد قيام دولة أنا لا أقول كلاما سياسيا استهلاكيا وإنما أقول كلاماً سياسياً مستنداً إلى رؤية فكرية وفقهية وأيديولوجية. يعني نحن في لبنان على مساحة الوطن نؤمن بقيام دولة وأن هذه الدولة يجب أن تبسط سلطتها على الأراضي اللبنانية وان تكون هي الحكم بين اللبنانيين وهي التي تدير شؤون اللبنانيين ولكن هذه الدولة يجب أن تقوم بواجباتها تجاه اللبنانيين وليس فقط أن يقوم المواطنون بواجباتهم تجاهها. يعني ليست دولة جباية ضرائب فقط دون القيام بالواجبات تجاه المواطنين. ولذلك إذا أردت أن أختصر لقلت إننا مع دولة قوية، نحن نرفض الدولة الضعيفة. الدولة الضعيفة تؤسس لحرب أهلية وتؤسس لفوضى وتؤسس لعودة الاحتلال. الدولة الضعيفة لا يمكن أن تحافظ لا على سيادة ولا على استقلال ولا على حرية. نريد دولة قوية قادرة ونريد دولة عادلة منصفة.. وفي يوم من الأيام أنا قلت نخفف حتى كلمة عادلة قد يكون تحقيقها صعبا فنقول دولة منصفة دولة معقولة في ممارستها للأمور. حتى الأستاذ «غسان تويني» هو الذي زاد "المقاومة" أنا لم أقل دولة مقاومة أنا تكفيني أن تكون قوية قادرة لتكون مقاومة تلقائيا لكن هو زاد "مقاومة" قلت له جيد مقاومة (يعني للعدو) لا تقبل أن يعتدى على أرضها ومطمئنة.

نحن نقول اليوم أن كل اللبنانيين بحاجة إلى طمأنة، عندما يقف بعض الناس في لبنان ويقولون نحن نخاف منكم طمئنونا، أنا أريد أن أقول أنا أيضاً أخاف منكم طمئنوني. الكل في لبنان بحاجة إلى طمأنة نتيجة أن لبنان كان وما زال على خط الزلزال المحلي الإقليمي الدولي ونتيجة المداخلات الدولية وبالأخص الأميركية الإسرائيلية القوية التي تستهدف لبنان كل لبنان أو بعض من في لبنان. إذا نحن نقول نحن نؤمن بمشروع الدولة ومجمعون على مشروع الدولة ونريد تحقيق مشروع الدولة. وأنا على طاولة الحوار كنت دائما أقول لهم المدخل الطبيعي لنقاش إستراتيجية دفاعية، المدخل الطبيعي لنقاش قصة دولة داخل دولة، المدخل الطبيعي لنقاش كل مشاكلنا في البلد، هو تعالوا لنبحث كيف نقيم هذه الدولة. إذا كان هناك لبناني لديه مشروع آخر فليكن. المفترض أن هذا مشروع وطني ومجمع عليه، ولكن المشكلة كيف نترجم هذا. نحن صادقون في هذا وجديون في هذا ولا نقطع الوقت. وأنا توقفت عند قول البعض تعليقا على كلامي بأننا ندعو إلى دولة قوية قادرة أن هذه غير دولة الطائف. يعني هل دولة الطائف المطلوب منها أن تكون ضعيفة هشة؟! إذن نحن لا نحل مشكلة الوطن نحن نرقع المشاكل، نؤجل المشاكل لتنفجر في أوقات أخرى. نحن نريد هذه الدولة وأنا أكتفي بهذا العنوان وأقول تحت هذا العنوان كل شيء قابل لدينا للنقاش. في مرحلة من المراحل كان المسلمون يخيفون المسيحيين في الدعوة إلى إلغاء الطائفية السياسية وأنا أقول رغم أن هذا هو من أدبيات الكثير من المسلمين في لبنان، إذا كان هذا الأمر يدعو إلى إخافة المسيحيين فلتتم مناقشته من جديد، ليس هناك من مشكلة. نحن عندما نريد ونتحدث عن دولة قوية وقادرة وعادلة ومنصفة أيضاً، نتحدث عن دولة مطمئنة لا نريد أن نشطب أحداً ولكننا بالتأكيد لا نريد أن يشطبنا أحد. هذا هو مشروعنا الحقيقي وإذا أرادوا أن يضعوا آليات لمناقشة ولتطبيق خطط وبرامج لقيام دولة حقيقية سيجدون أننا أول الجاهزين لهذا الأمر وليس لدينا أي مشروع خاص.

- هناك أسئلة كثيرة حول قمع من يخالفكم من الشيعة وأنكم تأخذون على عاتقكم وكالة حصرية بالتحدث عنهم أو اتخاذ قرار منفرد بالمواجهة المنفردة مع إسرائيل وأنكم دمرتم الشيعة؟

هذا مجافاة وخلاف للواقع. الذي دمر هو إسرائيل وهي التي قررت شن الحرب. وهذا جزء من تحميل الضحية مسؤولية ما يجري وتبرئة الجاني والجلاد. هذا من جهة ومن جهة أخرى لو أتينا إلى طبيعة الحرب. إسرائيل عندما استهدفت المقاومة كانت تريد أن تخرج لبنان من معادلة الدفاع عن نفسه. البعض يقول إن المطلوب إخراج لبنان من الصراع العربي الإسرائيلي وأنا برأيي أن لبنان حتى قبل العام ألفين وحتى العام 2006 لم يكن جزءا من الصراع العربي الإسرائيلي الشامل. بالضبط كان لبنان في موقع الدفاع عن نفسه. هم الآن يريدون إخراج لبنان من الموقع الدفاعي. يعني أن تكون صورة لبنان صورة من يتسول الحماية ويقف على أعتاب الكبار من اجل أن يقدموا إليه الطمأنة أو الأمن أو الاستقرار والسلام وبالتالي أن لا يكون قادرا على انجاز الدفاع عن نفسه أو الرد عن نفسه ولو في الحدود التي كان يملكها حتى الآن.

لهذا الهدف شنت إسرائيل الحرب على لبنان. لبنان كله دفع الثمن ولو أن الشيعة دفعوا الثمن الأكبر. أصلاً هم شكلوا منذ العام 1982 حتى العام 2006 الحاضنة الأولى للمقاومة وان كانت لها حاضنات في بقية الطوائف. ثم هناك خصوصية أخرى هي أن الشيعة في منطقة المواجهة. يعني لو كان الجنوب اللبناني بأغلبيته من لون طائفي آخر سواء أكان مسلما سنيا أو مسيحيا لكنا وجدنا بشكل طبيعي أن الأغلبية السنية أو المسيحية هي التي تحتضن المقاومة المتواجدة في بيئتها الطبيعية قرب الحدود. هناك أمر جغرافي قهري فرض هذه الحقيقة. الشيعة عندما احتضنوا المقاومة كانت خيارهم وقناعتهم وإيمانهم. الكل يعرف كيف تتحرك المقاومة وتعمل في الوسط الشيعي. ليس هناك مثلا أي نوع من التجنيد الإجباري كما كان يحصل مع بعض الميليشيات في زمن الحرب الداخلية. منذ العام 1982 وحتى اللحظة، لم يحصل في أي يوم من الأيام تجنيد إجباري. لم يحصل قمع ولم يعاقب أي إنسان على قناعته ورأيه، بينما في الكثير من الساحات، تجاوز الأمر القمع في فترة الحرب الأهلية وبلغ حد التصفيات والاغتيالات سعيا إلى فرض منطق الحزب الواحد والقائد الواحد والزعامة الواحدة وهذا لم يحصل عندنا أيضاً.

ما حصل وهو لا يعجب البعض، أن الاحتضان للمقاومة وقيادتها هو احتضان شعبي حقيقي وصادق. الناس يحتضنون المقاومة بقناعتهم وإرادتهم ودموعهم ودمائهم وأموالهم وأولادهم.

أنا قرأت في «السفير» المقالة الأخيرة للأخ الدكتور «عزمي بشارة» ونقده لهذه الشعارات وأنا اقبل هذه الملاحظات لكن هذا مظهر جديد وطارئ.

نحن منذ العام 1982 وحتى 11 تموز ,2006 لم نسمع في أدبيات الناس أن عائلة يهدم بيتها في بيروت والجنوب أو البقاع ويسقط من أولادها شهداء وتقول إن ذلك فداء أقدام المقاومة والمقاومين وقيادة المقاومة. قبل 11 تموز لم نكن نسمع ذلك في أدبياتنا... من أيام الشهيد السيد «عباس الموسوي» وحتى اللحظة. منذ 12 تموز الماضي حصل شيء له علاقة بحجم الاستهداف والضغط وطبيعة الحرب وأسطورية ما قامت به المقاومة. الصمود جعل الناس العاديين الطيبين الصادقين يعبرون عن ثباتهم وصمودهم وأحياناً سخطهم وغضبهم بهذه العبارات. وأمام ما حصل من خذلان كبير وكان الناس يسمعون ويشاهدون ما يجري من حولهم في كل العالم. هذه التعابير هي مظهر وليست ثقافة ولن نقبل أن تتحول كذلك. هؤلاء الناس ودموعهم وآلامهم وفلذات كبدهم أغلى وأقدس من الحزب وقيادته لا بل أنا وكل إخواني في القيادة فداء لهؤلاء الناس وكراماتهم وحفظ ماء وجههم وان يبقوا أعزاء شرفاء.

ما كان يصدر في الأسابيع الأخيرة عن الناس مجرد تعبيرات صادقة. لا نعطيهم مالا أو حصصا تموينية أو أية إغراءات مالية أو خدماتية طمعا بالمدح أو لكي يكونوا إلى جانبنا سياسيا. هم يقدمون الغالي والنفيس من منازلهم وأولادهم ويتهجرون ويستمرون في ترداد عبارات الوفاء للمقاومة. هذا إن دلّ على شيء إنما على أن المقاومة ليست حالة مفروضة قسرا على الشيعة إنما هي حالة نابعة من إيمانهم وقناعتهم والتزامهم وفكرهم وعاطفتهم وحتى تشخيصهم للمصلحة.


ولأن البلد طائفي للأسف الشديد، فان كل استطلاعات الرأي قبل الحرب وخلالها وبعدها، ومن جهات متعددة كانت عندما تتناول مسألة الصراع مع العدو وموقع المقاومة وعمليات المقاومة، تعطي المقاومة بين 85 و95 بالمئة عند الشيعة، أي هناك شبه إجماع على فكرة معينة. طبعا هذا لا يلغي وجود مساحات نخبوية معينة تختلف معنا وهذا أمر طبيعي ودليل عافية.

- البعض يقول إن هؤلاء يتعرضون للقمع وانه غير متاح لهم التعبير عن رأيهم؟

الحقيقة أنهم يعبرون عن رأيهم عبر الشاشات والإذاعات وفي الصحف وهم ينتقدون وبشدة، ولم يتعرضوا في أي يوم من الأيام منا لأي ضغط من أي نوع كان. أقول أكثر من ذلك، بأنه لا يوجد في العالم حزب بقوة وشعبية «حزب الله» وبعد حرب تموز وأسطورية مقاومته للجيش الذي كان يقال عنه إنه الجيش الذي لا يقهر، ومع ذلك، هو موجود في بلد يسمح بأن يتم تناوله يوميا في الإعلام ومن قبل الذين يعتبرون قيمة فكرية أو سياسية أو اجتماعية أو الذين لا قيمة لهم على الإطلاق، ومع ذلك الجميع يعبرون عن رأيهم دون أن ينالهم أي شيء منا. واكرر أننا لسنا بوارد ذلك أصلاً وأنا لا امنن أحداً لأن هذا في صلب أخلاقنا وقيمنا أن نتحمل وان تكون لكل إنسان فرصة للتعبير عن الرأي.

طبعا هذا لا يمنع الناس من أن يسخطوا من هذه الآراء. هل يتصور أحد أن عليه أن يخوّنك ويشتمك وان يسيء إليك والى الشهداء والذين يتألمون ثم يتوجب على الناس الطيبين عندما يلقونهم على أعتاب منازلهم المدمرة أو قبور أولادهم الشهداء أن يسارعوا إلى تقبيلهم والتصفيق لهم؟ ردة الفعل الطبيعية من هؤلاء الناس الذين دمرت منازلهم واستشهد أولادهم أن يعبروا كيفما شاءوا بالوجوه الكالحة أو الغضب ولكن في كل الأحوال ومهما كانت ردة فعلهم يستطيع أولئك الأشخاص أن يعيدوا التأكيد على مواقفهم نفسها وان ينتقدوا ولا أحد يتعرض لهم بأي سوء.

- هل تعتبرون أن هذا الهامش ضرورة أم لا؟

هذا حق شرعي. لا أقول ضرورة أو لا ضرورة.

- هناك حديث نبوي يقول إن في اختلاف الأئمة رحمة للأمة..؟

الإجماع يكون عادة أقوى من الخلاف وأفضل منه في قضايا ذات طابع وطني. من لديه رأي آخر يمكن أن يتمسك به ويدافع عنه. صحيح أن الاختلاف رحمة ولكن لم يقل خلاف أمتي رحمة. هناك فارق بين الخلاف والاختلاف. نعم توزيع الأدوار والتنوع والتعدد رحمة.

- إلى أي حد ارتجّت علاقتكم في موضوع العلاقة مع المملكة العربية السعودية خاصة بعد البيان الأول الذي تحدث عن المغامرة غير المحسوبة. أين أنتم اليوم من المملكة وهل هناك عتب ام خلل في التواصل وتبادل الآراء أم أن ما جرى كان عارضاً وهل تجددت الاتصالات مع السعوديين؟

بالنسبة إلى ما صدر من مواقف عن السعودية في البداية وكذلك البيان الصادر عن القمة المصرية الأردنية وأجواء الاجتماع الأول لوزراء الخارجية العرب في القاهرة، بالحد الأدنى وإذا أردنا أن نخفف لهجتنا نقول إنه كان من حقنا أن نعتب ولا يجوز أن يحزنوا أو يتألموا.

لا أريد أن أقول لهم ما هو تقييمنا لموقفهم وخاصة حديثهم عن المغامرة غير المحسوبة وما شاكل. أنا أحيلهم على «إيهود أولمرت» وكيف وظف الإسرائيلي والأميركي هذه المواقف لتغطية الحرب الإسرائيلية الأميركية على لبنان، طبعا وان كان الإسرائيليون قد استندوا إلى أكثر مما قيل في البيانات الرسمية العربية المعلنة عندما تحدثوا عن اتصالات تقوم بها حكومات عربية من اجل أن تبارك لهم حربهم على لبنان وتدعوهم للاستمرار فيها حتى القضاء على «حزب الله».

في هذا الشق الذي يدعيه الإسرائيليون نحن لا نريد أن نصدقهم نهائيا. لكن من خلال قراءة المواقف الرسمية العربية المعلنة من الحرب على لبنان والمقاومة وهم أصدروها رسميا، بالحد الأدنى أقول: قصدتم أم لم تقصدوا فلقد شكل موقفكم غطاء للعدو أو بالحد الأدنى، تخليا عن لبنان وعن المقاومة فيه التي قلتم جميعا إنكم تعتزون بها في العام ألفين وقمتم بتهنئتها بانتصارها. نحن لا نريد اليوم الوقوف كثيرا عند ما حصل. نحن نتعظ مما حصل ونحاول اخذ العبر والاستنتاجات والدروس.

أنا قلت في أيام الحرب أننا لا نريد قطيعة مع أحد. نحن نريد أن يزداد عدد الأصدقاء لا أن يتراجع. ولذلك قلت واكرر أننا منفتحون لترميم هذه العلاقات من حيث كانت علاقات لأنه في بعض الأماكن لم تكن هناك علاقات ولا أي اتصال: مثلا بيننا وبين الأردن لا وجود لاتصال أو علاقات من أي نوع كان. نعم كانت هناك علاقات تتطور وتتحسن مع المملكة العربية السعودية. هناك بدايات مع المصريين وهناك اتصالات مع أكثر من بلد عربي.

بالنسبة للدول العربية التي نعتب عليها، بفعل موقفها نحن نرى أنه من الطبيعي أن يسعوا هم ونسعى نحن إلى ترميم العلاقات لما فيه المصلحة العربية والإسلامية والمصلحة الوطنية لكل بلد.

في ما يخص الأخوة السعوديين، إذا كان هناك عتب فهو أكبر، لأن العلاقة معهم كانت متطورة وحصلت لقاءات كثيرة بيني وبين السفير السعودي في بيروت الدكتور «عبد العزيز خوجة» وكذلك مع مسئولين سعوديين جاؤوا إلى بيروت. كما أن الملك «عبد الله بن عبد العزيز» قال كلاما طيبا في أكثر من مناسبة سواء في ما يتعلق ب«حزب الله» والمقاومة أو بالنسبة إليّ شخصيا... حتى أنه قبل أسبوع من الحرب نُقل عن الملك عبد الله قوله إن السيد «حسن نصر الله» هو ابننا العزيز ونحن نوصي به ونراهن عليه... الخ.

- وجهت الدعوة سابقا إليكم لزيارة المملكة وقيل الكثير عن سبب عدم تلبيتها؟

نعم وجهت الدعوة إليّ لزيارة المملكة، وطالما أن الموضوع أثير في وسائل الإعلام، فسأتطرق إليه. عندما ابلغني السفير السعودي في بيروت الدعوة قلت له إنني اقبلها من الناحية السياسية والأخوية وأنا اعتز بها ولا مشكلة سياسية بتلبيتها إنما المشكلة أمنية وأنا لا استطيع أن أسافر ولذلك لم اذهب إلى الحج منذ العام 1986 ليس لأنني لا أحب الذهاب إلى الحج بل لأسباب أمنية أيضاً طالما أن أمنية كل إنسان مسلم وخاصة المتدين أن يذهب إلى الحج. أنا محروم من هذه النعمة ومن تأدية العمرة وكل سنة كانت توجه إليّ الدعوة إلى الحج كنت اعتذر لأسباب أمنية.

المقصود أنه لم يكن لدينا أي تحفظ سياسي على الدعوة لزيارة المملكة. أنا فهمت في المقابل، أن بعض المسئولين في المملكة يعتقدون أن ما يحول دون تلبيتي للزيارة توصيات إيرانية وسورية. هذا غير صحيح نهائيا. على كل حال سوف تأتي الأيام وتثبت أن أكبر حركة سياسية استقلالية في لبنان عن أي محور أو دولة هي «حزب الله» ولكن أريد أن أصحح الاستنتاج الخطأ لدى بعض المسئولين في المملكة وأقول لهم إنه عندما عرف الإيرانيون والسوريون بوجود الدعوة بادروا إلى تشجيعي على تلبيتها وقالوا إن ذلك من شأنه تطوير العلاقات أكثر مع المملكة وذلك على عكس ما يظن بعض المسئولين السعوديين. حقيقة الأمر واكرر ذلك أن السبب أمني بحت وأنا أبلغت السفير السعودي في بيروت إنني شخصيا لا استطيع الذهاب لكن أي أخ آخر في الحزب يمثل الأمين العام سواء في شورى القرار أو الوزير «محمد فنيش»، وقلت لهم هذه الأسماء عندكم، ومن ترغبوا باختياره ودعوته من «حزب الله» من دون أن أحرجكم أنا بالتسمية، يذهبْ كممثل عني شخصيا وعن قيادة الحزب وأنا أفوضه بما قد يناقش معه من قضايا، لكنهم لم يعطوا جوابا وهذا قبل الحرب الأخيرة. اكرر الأسباب أمنية وليست سياسية ونحن مهتمون كثيرا بالعلاقة وتطويرها وتحسينها.

- يمكن القول إنه كان من حقكم أن تعتبوا؟

هذا السبب جعلنا نعتب أكثر. نعم نحن نسير وإياكم معا بهذا الاتجاه منذ فترة طويلة وفي لحظة مصيرية وحساسة ودقيقة يقال عنا ما قيل. نعم كان من حقنا أن نعتب لكن في كل الأحوال الآن هناك أصدقاء مشتركون لبنانيا سعوا لإعادة التواصل والاتصال وليست لدينا أية موانع في لك، لا بل حصلت في الآونة الأخيرة اتصالات وان شاء الله الأمور تتحسن إلى الأمام.

- ألم يحتف «حزب الله» بأمير قطر أكثر من اللازم في الضاحية الجنوبية خاصة أن موقع قطر الإقليمي معروف وكذلك صلاتها؟

في العموم اتصالاتنا مع جميع الأخوة الخليجيين ما زالت مستمرة كما كانت في السابق. بالنسبة لأمير قطر هو أول زعيم عربي يزور الضاحية الجنوبية وهذا الأمر له قيمة خاصة عندنا واي زعيم عربي يزور الضاحية سنتعاطى معه بنفس الطريقة وهذا أمر له علاقة بلباقات الضيافة والتقدير للزيارة وبمعزل عن التقييم السياسي من جوانب أخرى.

- ولكن الأمر نفسه لم يحصل مع زعيم دولي مثل «كوفي أنان»»؟

اعتقد أن الصورة التي تقدم عن «حزب الله» بانه حزب حديدي قد تكون صحيحة في ما يتصل بأعضاء الحزب ولكن الجمهور وأهل الضاحية الجنوبية لا علاقة حديدية بيننا وبينهم. نعم الإخوان الذين رتبوا زيارة «أنان» إلى الضاحية فوجئوا ببعض الأشخاص وطريقة تصرفهم مع الأمين العام والوفد المرافق. يمكنكم بكل الأحوال العودة إلى الصور ومن خلال ملامح الذين احتشدوا يمكن تقدير أنهم ليسوا أعضاء في الحزب. هم من الجمهور. من الضاحية أم لا؟ لا أدري. لم ندقق في الأسماء والهويات. لكن يبدو أن هؤلاء لديهم ملاحظات على أداء الأمم المتحدة خلال الحرب وربما يكون أكثر ما استفز هؤلاء الأشخاص وجود «تيري رود لارسن» ضمن الوفد، وهذه التوضيحات التي أسردها إليكم ربما تكون قد قدمت إلى الأمين العام لأننا كنا بالفعل حريصين أن نتعاطى بلباقة واحترام مع زيارته إلى بيروت.

- هل هناك اتصالات حاليا مع المصريين؟

ربما تحصل في وقت قريب أو تعود الاتصالات كما كانت مع العلاقات الدولية في «حزب الله». طبعا مع السفير المصري «حسين ضرار» لم يحصل أي لقاء ثنائي بيني وبينه بل ربما التقى بعض نواب الحزب في المجلس النيابي أكثر من مرة.

- بالنسبة إلى المساعدات العربية هل كانت ترقى إلى ما كنتم تتوقعونه؟

مع التقدير والشكر للدول العربية التي أعلنت عن مساعدات إلا أن ما أعلن لا يرقى إلى الكرم العربي ولا يتناسب مع احتياجات لبنان لإعادة البناء والإعمار.

- هل يمكن القول أن «حزب الله» الشيعي صار زعيما للعرب السنة في المعركة مع إسرائيل، وكيف تقيمون تعاطي الأنظمة والشعوب في العالمين العربي والإسلامي؟

طبعا قرأت أو سمعت الكثير بأن فلانا أو أن «حزب الله» بات يشكل زعامة عربية أو إسلامية أو شيئا من هذا القبيل. أنا أريد التدقيق ولا أتصور أن التعبير دقيق. نعم أقول إن «حزب الله» أو أنا شخصيا صرنا نحظى باحترام كبير في العالمين العربي والإسلامي وبثقة ومصداقية نتيجة السلوك والتضحيات والصمود والانتصار والانجاز وكون المواجهة مع عدو هؤلاء جميعا من العرب والمسلمين. أنا بحسب فهمي هذه هي حدود الأمر. اما حماسة البعض ومحاولة تقديم ما حصل للحديث عن زعامة عربية تريد أن تقود العالم العربي أو تحدث تغييرا في العالم العربي، هذا فيه الكثير من المبالغة لأن الأمور ليست كذلك.

بين هلالين، هذا يزيد من مشكلتنا والحزب لا يطرح نفسه قائدا لا على مستوى لبنان ولا العالم العربي، وأنا على المستوى الشخصي لا اطرح نفسي قائدا لا على مستوى «حزب الله» ولا العالم العربي. واستطيع القول في محصلة ما جرى أنه في ضوء الحرب، إضافة إلى انتصار المقاومة في العام ألفين وسلوك «حزب الله» في الصراع مع العدو الصهيوني، وموقفه في الموضوعين الفلسطيني والعراقي، فان الانتصار والصمود الأخير جاءا من اجل أن يعطيا الحزب والمقاومة في لبنان مكانة واحتراما ومصداقية في العالم العربي وليقدما المقاومة رمزا ونموذجا وقدوة وعبرة يمكن الاستفادة منها واستلهام تجربتها في مواجهة أعداء الأمة والعمل على تحرير المقدسات. بحسب فهمي فان ما أقوله ليس من باب التواضع بل من زاوية الواقعية.

- هناك معنى كبير لارتفاع صوركم وإعلامكم في جامع الأزهر في القاهرة؟

أنا لا اقلل من هذه النتيجة وهذا أمر تاريخي بأن يحصل حزب لبناني مقاوم على كل هذا التقدير والاحترام والمحبة والاحتضان في العالمين العربي والإسلامي حيث الأغلبية سنية وان من يحظى بالتقدير هو حزب شيعي. هذا بحد ذاته انجاز تاريخي وأنا لا اقلل من قيمته.

أيضاً يهمني أن أشير إلى أن تفاعل الشعوب العربية والإسلامية والنخب السياسية والثقافية والفكرية والاقتصادية والفنية كان تفاعلا كبيرا وعظيما جداً. نعم بكل الأطياف العروبية والقومية والإسلامية واليسارية والليبرالية كان التفاعل مهما. كانت هناك تقريبا نقطة إجماع مضيئة هي الوقوف إلى جانب المقاومة في لبنان.

- ماذا عن تداعيات ذلك على موضوع قطع دابر الفتنة السنية الشيعية خاصة أنكم عملتم كثيرا في هذا الاتجاه؟

نعم وهذا هو العنصر الأهم على صعيد تداعيات الحرب. إن النتائج أكبر بكثير من التضحيات ولا يجوز أن يأخذ وهج التضحيات شيئا من حجم الإنجاز والنصر الذي تحقق وفي مقدمة النتائج الموضوع المتصل بالسنة والشيعة. نعم المشروع الأساسي بعد الغزو الأميركي للعراق، والذي ما زال يهدد هذا البلد العربي ومن خلاله كل الأمة العربية والإسلامية ويعمل له أميركيا وإسرائيليا هو مشروع الفتنة الساحقة والماحقة التدميرية التقسيمية بين السنة والشيعة. يعني المطلوب ليس أن نقسم العالم العربي إلى دويلات سنية وشيعية بل يجب أن تكون دويلات متقاتلة في ما بينها وان تدمر بعضها والنموذج العراقي شاهد على ذلك. هذا ما نراه في العراق وهذا ما يريده الأميركيون والإسرائيليون من اجل تعميمه في العالم العربي والإسلامي كله. حصل تحريض كبير بوسائل مختلفة بعد غزو العراق خاصة عبر وسائل الإعلام من اجل زيادة الشرخ المذهبي في المنطقة. نعم هناك قلق كبير في العالم العربي والإسلامي من انفجار شيعي سني وهو قلق مشروع وصحيح وواقعي لكن أهمية ما حصل في مواجهة الحرب الإسرائيلية على لبنان والمقاومة، أن «حزب الله» من خلال المقاومة، استطاع خلال السنوات الماضية أن يشكل جسر اتصال وحوار وإعادة ترميم ثقة أو معالجة أزمة الثقة التي كانت تنشأ بين السنة والشيعة في هذا البلد أو ذاك، مع العلم إن «حزب الله» كان يقوم بهذا الدور في غالب الأحيان بعيدا عن وسائل الإعلام.

جاءت هذه الحرب وشكل احتضان الأمة العربية والإسلامية للمقاومة و«حزب الله» المعروف بحسب التصنيف المذهبي أنه شيعي، نوعا من التحصين إلى درجة كبيرة جداً للواقع الإسلامي.

- هل يمكن القول إن مشروع الفتنة انتهى في المنطقة ولبنان؟

لم نقطع الطريق عليه مئة بالمئة وإنما تم تحصين الساحة إلى حد كبير جداً وعلى قاعدة لا تكرهوا شيئا وهو خير لكم، ربما بعض الفتاوى التي صدرت في الأيام الأولى للحرب كانت لها آثارها الإيجابية.

- بأي معنى؟

بمعنى أنها دفعت تقريبا كل المخلصين والحريصين في الحركات الإسلامية السنية وعلماء السنة الكبار ومعظم الأطر الإسلامية السنية على امتداد العالم العربي والإسلامي إلى اتخاذ موقف. لقد شعروا جميعا أنهم معنيون وهنا يمكن لنا أن نسجل مواقف متقدمة جداً لبعض العلماء الكبار أمثال سماحة الشيخ «يوسف القرضاوي» الذي يحظى باحترام كبير في العالمين العربي والإسلامي لجهة موقعه الديني والعلمي وهو موقع شبيه بموقع المرجعيات الدينية عند الشيعة. هناك حركات إسلامية وعلماء سنة آخرون وكثيرون لا مجال لتعداد أسمائهم في لبنان والعالم العربي والإسلامي، لكن اسمحوا لي بوقفة خاصة عند الموقف المميز الذي أطلقه سماحة الشيخ «مهدي عاكف» المرشد العام لل«إخوان المسلمين» والذي تجاوز مجرد التعبير السياسي أو الديني أو الفقهي الطبيعي إلى مستوى المحبة والمودة واللهفة والاحتضان العاطفي وهو الموقف الذي كان له أثره الكبير على مستوى حركة الإخوان المسلمين في العالم. هذا أمر مهم جداً واكرر أن مواقف كثيرة صدرت لا مجال لتعدادها بينها موقف مفتي سوريا الذي نقدره تقديرا كبيرا وأيضاً الشيخ الدكتور «محمد سعيد البوطي» في سوريا والشيخ الدكتور «محمد سليم العوا» في مصر، وأتوجه عبر «السفير» من كل العلماء بكل شكر وتقدير ومحبة واعتذر عن عدم ذكر أسمائهم واحدا واحدا، لأن اللائحة ستكون طويلة جداً جداً، نعم مواقفهم تجاوزت البعد السياسي وأنا سمعت الكثيرين منهم يقولون إن الشيعة هم مسلمون مثل إخوانهم السنة. وكما أنه بين المذاهب الإسلامية السنية هناك اختلافات وفروع عقائدية وفقهية، أيضاً داخل الشيعة هناك اختلافات. وإذا أضفنا إلى ذلك احتضان الشارع العربي والإسلامي وتعبيراته السياسية والعاطفية والشعبية... فإن هذا كله سيؤدي إلى تحصين كبير جداً للواقع العربي والإسلامي، بما يؤدي إلى إشعار السنة والشيعة أنهم في مواجهة عدو مشترك واحد وتهديد واحد وخطر واحد ومصير واحد ومعركة واحدة. وأنا برأيي هذا من بين أهم النتائج الإستراتيجية التاريخية عندما قلت إننا نواجه نصرا استراتيجيا تاريخيا ولم أقم بتفصيل معنى هذه الجملة.

نعم هذا من أهم انجازات المعركة التي لم نقصدها. أنا دائما أتحدث عن نتائج ولا أقول الأهداف. المقاومة عندما وقفت وقاتلت في لبنان كان لها هدف واحد هو رد العدوان والدفاع عن لبنان وعندما صمدت وانتصرت ترتب على ذلك مجموعة نتائج كبيرة جداً وهذه واحدة من أهم النتائج التي تحققت والأهم أن نواصل العمل في المستويين العربي والإسلامي لتحصين هذه النتيجة وتثبيتها وتوظيفها وتثميرها في إخماد ساحات التوتر المذهبي وفي مقدمتها الساحة العراقية.

أيضاً اسمحوا لي بالقول إنه في جزء من العالم الإسلامي غير العربي كانت هناك مستويات عالية جداً من التفاعل لم تعكس إعلاميا حتى بالحد الأدنى. مثلا في إيران كان التفاعل الشعبي والرسمي يرقى إلى مستوى الاهتمام بثورة الأمام الخميني في أيامها الأولى. وقد نقلت إليّ أجواء ومناخات مذهلة من الشارع والإعلام والنخب والجامعات.

إذا ذهبنا إلى الباكستان واندونيسيا وماليزيا أيضاً كان التفاعل كبيرا جداً وهذا أيضاً من النتائج الإستراتيجية الكبيرة والتاريخية. لأنه خلال عقود من الزمن تم تحويل موضوع الصراع مع العدو الإسرائيلي إلى صراع عربي إسرائيلي وبالتالي تم إخراج الدول الإسلامية وشعوبها غير العربية من دائرة الصراع بل حتى من دائرة الاهتمام به. المعركة الأخيرة أعادت الاهتمام كما كان عليه في البدايات على مستوى الدول الإسلامية غير العربية شعوبا وحكومات وإعلاما ونخبا الخ...

- هل دفن مشروع الفتنة السنية الشيعية نهائيا في لبنان؟

في أوج الصدامات والمخاوف في العراق والقلق من امتداد المشهد العراقي إلى الدول المجاورة ومنها لبنان، أنا شخصيا لم أكن خائفا على لبنان وعلى الوضع السني الشيعي في لبنان ولا أؤمن أصلاً بإمكان قيام فتنة سنية شيعية في لبنان والآن صرت مؤمنا أكثر بهذا الموقف. نعم قد تكون هناك بعض الحساسيات والتوترات السياسية ولكن الحديث عن فتنة سنية شيعية في لبنان هو حديث غير واقعي تماما كالحديث عن فتنة بين المسلمين والمسيحيين وهو أيضاً للتهويل أكثر من أي شيء آخر.

- لننتقل إلى ملف الإعمار، الرئيس «السنيورة» يقول إن الحزب يريد أن يقتصر دوره كما فهم بموضوع الاستئجار لمدة سنة للمدمرة منازلهم وبالأثاث فقط ويعني ذلك الإشارة إلى تراجعكم عن التعهد الأول بالإعمار؟ هل هذا الاستنتاج صحيح؟

أبداً غير صحيح، أنا في اليوم الأول لوقف الحرب وكذلك يوم الاثنين وفي المقابلة مع «نيو تي في» ومع الرئيس «السنيورة» والآن اكرر نحن ملتزمون وقد وعدنا الناس ونحن ما زلنا عند وعدنا. الوعد هو أن تعود بيوتهم وممتلكاتهم كما كانت لا بل أفضل مما كانت. يعني إعادة الإعمار. نحن أعلنا هذا الالتزام. بعد الإعلان من جانبنا قلنا بوجود مراحل عدة، الأولى، أسميناها مرحلة إيجاد البدائل المؤقتة لأن الإنسان في هكذا حالة قد فقد منزله ودمر أثاثه. هذا ما قررناه للبيوت المهدمة كليا ونفذ. ما لم يعلن عنه ولكن عمليا نفذ هو أن البيوت المهدمة جزئيا والتي يتعذر السكن فيها لأشهر قمنا أيضاً بدفع بدل إيجار ولستة أشهر أو أكثر أو اقل للمهدمة جزئيا بالإضافة إلى بدل الأثاث المنزلي في حال تلفه كاملاً أو تعويض ما تلف جزئياً.

ومن اجل معالجة الوضع الاستثنائي القائم، لأنه حتى الدولة إذا كانت ستدفع بدل أثاث متى؟ تدفع بعد الإعمار النهائي. يعني أن هذه العائلة ستبقى بلا منزل وأثاث إلى أن تنجز نهائيا إعادة الإعمار. هذا ما التزمنا به ووفينا به واعتقد أن الضاحية ربما تكون انتهت والبقاع انتهى وشمال الليطاني انتهى أيضاً. جنوب الليطاني لأن العدد فيه كبير وبسبب صعوبات لوجستية بنسبة كبيرة انتهى ولكن يحتاج إلى 15 يوما بحد أقصى من اجل انجازه كليا. أي انجاز كل ملف البديل السكني المؤقت بما في ذلك الأثاث.

موضوع الترميم دخلنا عليه بالطريقة السهلة المتيسرة أي إذا جئنا لعائلة لترمم حائطا أو تركب نافذة أو بابا ويكفل ذلك لها السكن، هذا ممتاز. هم يتولون ذلك ونحن نقدم مساعدات مالية. هذه العائلات ستحصل على مساعدة ترميم موازية من الدولة ولكن هذا لا يتنافى مع التزامنا تجاههم لأننا نحن ندفع أيضاً وإذا أرادوا ليعتبروا أن ما نقدمه نحن كمساعدة ترميم هو عبارة عن هدية لهم.

الهم الأكبر هو إعادة ما تهدم من بيوت كليا. نحن ملتزمون بما كنا أعلنا عنه سابقا. جاءت الدولة وقالت إن هذه المهمة من مسؤولياتها وأنا لا أنكر أنها كذلك، والذي حصل بالضبط وهذا ما شرحته في آخر مقابلة تلفزيونية نحن لم نتصل بالرئيس «السنيورة» ولم نقل له نحن لسنا قادرين على إعادة بناء البيوت التي هدمت. هذا لم يحصل على الإطلاق. ولم نقل له نحن نطلب مساعدتك. هذا لم يحصل قطعا. بل الذي بادر مشكورا هو الرئيس «السنيورة» الذي اتصل وطلب اللقاء بنا من اجل مناقشة ما سنقوم به بموضوع الإعمار (حتى اعرف كحكومة ماذا بإمكاني أن أقوم بالمقابل).

بعد أسبوع لم تكن الحكومة تدري ماذا ستفعل. نحن كان ردنا أن تأمين البديل والأثاث هذا أمر التزمنا به ونفذناه تقريبا. بالنسبة إلى الترميم وإعادة بناء البيوت المهدمة هي مسؤولية الدولة. هذا يفهم منه أننا لسنا قادرين ولا نستطيع ذلك، هذا أمر غير صحيح. هذه مسؤولية الدولة ولكنه وعد منا أيضاً. إذا قامت الدولة بهذه المسؤولية سقط التكليف عنا وفي أي مكان لن تتحمل الدولة مسؤولياتها بالشكل المطلوب نحن سنتحمل المسؤولية لأنه للناس في رقبتنا وعد.

الرئيس «السنيورة» أعلن بعد مداولات مباشرة معنا ومع الرئيس «بري» وباتفاق مع الرئيس «بري» مباشرة أنه في الجنوب والبقاع سيتم دفع خمسين مليون ليرة للوحدة السكنية و10 ملايين ليرة بدل أثاث منزلي ضمن آلية على دفعتين وأخيرا الأثاث. أما بالنسبة إلى الضاحية الجنوبية، فقد تألفت لجنة تتمثل فيها الجهات المعنية بما في ذلك نحن والأخوة في «أمل» ومهمتها درس كيفية التعاطي مع موضوع الضاحية الجنوبية وهذا الأمر سيبت قريبا.

إذا أرجئ النقاش حول الضاحية يبقى البقاع والجنوب، في ما يتعلق بالوحدات السكنية، إذا جاءت الدولة اللبنانية أو أية دولة وأخذت الأمر على عاتقها هذا أمر جيد. مثلا دولة قطر أخذت على عاتقها مشكورة أن تبني بنت جبيل وعيناثا والخيام وعيتا الشعب. سوريا أعلنت بلسان رئيسها إنها أخذت على عاتقها مشكورة أيضاً إعادة إعمار بلدات قانا وصديقين والقليلة. عندما تأتي دولة، وضمن آليات سيتفق عليها رسميا، ستتولى إعادة بناء المنازل، يكون عندها تكليفي قد سقط، هل هناك مجالات أخرى لمساعدة أصحاب المنازل التي تمت إعادة إعمارها؟ أنا في خدمتهم. الدولة عندما تأتي وتقدم خمسين مليون ليرة مقابل وحدة سكنية نحن ماذا نقول؟ نقول إنه من حيث المبدأ، هذه العائلة التي ستعيد بناء منزلها، إذا كان المبلغ الذي ستقدمه الدولة كافيا لإعادة بناء ما تهدم كان به وإذا لم يكن كافيا نحن ملزمون بأن نكمل ما يمكن هذه العائلة من إعادة بناء منزلها كما كان. هذا التزام قطعي ولا عودة عنه نهائيا.

- خلال فترة الحرب كيف كان يتم التواصل مع الرؤساء الثلاثة وبقية القيادات السياسية؟

بالنسبة للرئيس «إميل لحود»، كان هناك اتصال دائم بيننا وبينه عبر أحد الوسطاء من إخواننا الذي كان يتمكن من التواصل معه إما تليفونيا أو مباشرة وكنا نضعه بشكل دائم بالمعطيات الميدانية والتطورات السياسية الجارية. وفي كل الأحوال فإن مواقف الرئيس لحود من المقاومة قبل العدوان وخلاله وبعده، هي مواقف مشهودة ومشكورة ومعروفة.

بالنسبة للرئيس «نبيه بري»، تحدثت في بداية الحديث عن التعاون الذي كان قائما معه والتفاهم والتنسيق والخط المفتوح يوميا بيني وبينه.

مع الرئيس «فؤاد السنيورة»، كان هناك أكثر من طريقة للاتصال، أو للحوار، إن من خلال وزراء الحزب في الحكومة أو أحياناً من خلال الاتصال المباشر بين رئيس الحكومة والمعاون السياسي الحاج «حسين خليل». لكن ما كنا نتفق عليه في نهاية المطاف هو ما كان ينجز من خلال قناة الرئيس «نبيه بري» باعتبار أنه كان يتولى الإدارة السياسية للمعركة. دائما كنا سواء على طاولة مجلس الوزراء أو في الكواليس في نقاش دائم مع رئيس الحكومة ونحن حرصنا خلال فترة الحرب كلها على أن تبدو الحكومة قوية ومنسجمة ومجمعة رغم أننا كنا نسجل تحفظاتنا أو ملاحظاتنا أو اعتراضاتنا على بعض النقاط أو المواقف سواء عندما ناقشنا النقاط السبع وخرجنا بإجماع عليها في مجلس الوزراء لكن ضمن مجلس الوزراء كانت هناك تحفظات حول بعض النقاط أو قبلنا بالنقاط السبع كمبادئ عامة ولكن تفصيلاتها تحتاج إلى نقاشات لاحقة وإقرار لاحق في مجلس الوزراء. وكذلك عندما وصلنا إلى نقاش القرار 1701 ونحن لدينا اعتراضات جدية على بعض بنود هذا القرار وأنا قلت أننا نعتبره ظالما وغير منصف ولدينا تحفظات جدية ولكن أيضاً حرصا على وحدة الموقف الحكومي والوطني قلنا إنه تتم الموافقة عليه بالإجماع مع التحفظ.

خلال مرحلة الحرب، حرص «حزب الله» بجد على أن تكون الحكومة متماسكة وان تكون قوية وان يكون موقع رئاسة الحكومة قويا باعتباره الموقع الذي يفاوض دوليا بالنيابة عن لبنان كله. كنا جميعا في المقاومة والرئاسات الثلاث والحكومة وبقية مؤسسات الدولة والقوى السياسية كافة نخوض معركة لبنان بأسره وليس معركة طائفة أو منطقة أو مذهب. طبعا كانت تحصل تباينات ونقاشات حول سبل معالجة موقف معين وما يمكن قبوله أو عدم قبوله وهذا أمر طبيعي ومنطقي وصحي وكان يعالج بالحوار الهادئ وفي النهاية تفضي الحوارات الجادة والدقيقة والمسئولة والمجهدة بسبب حساسية الموضوعات ومصيريتها بالنسبة للبنان والمقاومة، لكن في نهاية المطاف كنا نتوصل دائما إلى نتائج مرضية ومعقولة، وهذا الأمر الذي مكن لبنان بفعل هذا التعاون من أن يخرج بنسبة كبيرة من المحنة التي كان يعيشها.

- هل حصل إشكال ما حتى اضطر الرئيس «بري» لإعلان انسحابه من ملف الأسرى؟

لا لم يحصل أي إشكال مع الرئيس «بري». من المعروف أنه منذ اليوم الأول للحرب بدأ الحديث عن موضوع الأسرى وكون الرئيس «بري» كان مفوضا بإدارة الملف السياسي كله فوضنا إليه أيضاً موضوع الأسرى. أولا بسبب الثقة الكبيرة وثانيا بسبب التجربة الطويلة والمهارة التي يتمتع بها، وثالثا بسبب ظروف الحرب. ولذلك كان من الطبيعي أن نقوم بتوزيع ادوار بحيث يتفرغ بعضنا لإدارة المواجهة العسكرية وبعضنا للمواجهة السياسية، ولذلك كان من الطبيعي تفويضه بقضية الجنديين، حتى عندما تحدث عن اقتصار التبادل على الأسرى اللبنانيين إنما كان يطرح من خلال ذلك الاستفادة نحو ما هو ابعد، أي وقف العدوان الإسرائيلي، وهو شدد على وقف إطلاق النار وثانيا عملية التبادل. أي ربط بين انتهاء الحرب وعملية التبادل، أي أنه كان يريد ثمنا إنسانيا كبيرا جداً وهو وقف الحرب مع إطلاق الأسرى اللبنانيين.

في كل الأحوال، الآن انتهت الحرب وهذا ملف تفصيلي ويحتاج إلى وقت طويل ومفاوضات طويلة وتفصيلية ولذلك قال الرئيس «بري» إنه يفضل أن يتولى الحزب إدارة الملف وخاصة إنه صار يملك القدرة على التحرك وهو يحتاج إلى وقت وأنتم الجهة المعنية فليعد إليكم وأنا كنت أتمنى أن يواصل الرئيس «بري» ولكن لا نريد أن نجهده أكثر مما أجهدناه في فترة الحرب.

- ماذا عن التواصل مع بقية القوى السياسية؟ وتحديدا مع النائب «سعد الحريري»؟

مع الأخ الشيخ «سعد الحريري»، في الأيام الأولى للحرب كانت هناك اتصالات طبيعية بسبب أنه كان موجودا في الخارج وكان الأخ الحاج «حسين خليل» يتواصل معه بشكل دائم ولكن مع اشتداد عمليات القصف والاستهداف للمباني والحزبيين، كان استخدام الهاتف الدولي مشكلة من الناحية الأمنية ولذلك بقي الاتصال يتم بالواسطة، إن من خلال الرئيس «بري» أو من خلال بعض الأصدقاء المشتركين، والاتصال غير المباشر لم ينقطع ووجهات النظر كان يتم تبادلها بصورة دائمة. وبكل الأحوال فإنه بسبب وجود الشيخ سعد خارج البلد وتصدي الرئيس «السنيورة» المباشر بصفته رئيسا للحكومة، كان الجزء الأكبر من النقاشات المباشرة يحصل معه.

- ومع «وليد جنبلاط»؟

خلال فترة الحرب لم يكن هناك تواصل مباشر، مع النائب «وليد جنبلاط». أنتم تعرفون أنه منذ أزمة البيانات والمواقف السابقة لم يعد هناك أي اتصال ثنائي بيني وبينه، كنا نلتقي في إطار طاولة الحوار الوطني. أما خارجها فلم يكن هناك أي اتصال وهذا الأمر استمر خلال فترة الحرب. في الأيام الأولى للحرب أطلق بعض المواقف الإيجابية، أنا طلبت شخصيا من الأخ السيد «نواف الموسوي» أن يتصل بوزير الإعلام الأخ «غازي العريضي» ويبلغ الوزير «جنبلاط» شكرنا على المواقف التي أطلقها في ذلك الحين. لكن لم يرق الأمر حتى الآن إلى مستوى إعادة الاتصال الطبيعي الذي كان قائما بيننا وبينه قبل حوالي السنة.

- هل هناك محاولة حاليا لإعادة هذه العلاقة؟

من جهتنا لم نقفل الباب في أي يوم من الأيام. أنا أقول لك بصدق أنه لا في الإعلام ولا في غير الإعلام. حتى في الكواليس، أحياناً عندما كان يعرض علينا من قبل بعض الأصدقاء المشتركين إعادة الاتصال والتواصل لم يكن لدينا أي مانع وفي يوم من الأيام قلت ذلك في مقابلة تلفزيونية وأضفت أننا في الأساس لسنا نحن من قطع العلاقة رغم الموقف القاسي الذي صدر من جانبنا ردا على توصيفه آنذاك لسلاح المقاومة. كان ردنا نحن لا نريد القطيعة مع أحد. ليست سياستنا أن نقاطع أحداً في لبنان حتى لو اشتد الخلاف السياسي بيننا وبينه، ونحن مستعدون للتواصل والحوار، ورد السيد «وليد جنبلاط» بأن اللقاء يحصل فقط معنا في مجلس الوزراء. المقصود أنه من جانبنا نحن لم نغلق الباب ولم نسع إلى قطيعة لا معه ولا مع غيره.

- ماذا عن بقية القوى الحليفة لكم؟

العلاقات مع مختلف القوى السياسية وخاصة تلك التي تصنف في إطار الثامن من آذار، كانت اتصالاتنا معها دائمة من خلال الأخوة في المجلس السياسي وعدد من النواب الذين أتيح لهم بعد أيام عدة من الحرب فرصة التواصل ومنهم الأخوة في اللقاء الوطني من الرئيس «عمر كرامي» إلى الوزير «سليمان فرنجية» إلى بقية الوزراء والنواب السابقين وكذلك مع الأحزاب الوطنية التي شارك بعضها معنا وسقط لها شهداء أعزاء.

- مع الرئيس «سليم الحص»؟

تقريبا كان التواصل معه شبه يومي وهو كان لا يبخل علينا بالنصائح والاقتراحات والأفكار وكانت كلها تصب في خانة حماية المقاومة والوحدة الوطنية والمصلحة الوطنية العليا، وكان هو يواكب مرحلة الحرب بشكل دقيق. أيضاً الأخوة في «الجماعة الإسلامية» وبقية الأطر الإسلامية والجهات الإسلامية والوطنية والحزبية المختلفة حافظنا على التواصل معهم. كذلك كان هناك اتصال دائم ويومي مع «التيار الوطني الحر» والعماد «ميشال عون» وقيادات وفعاليات مسيحية عديدة.

- اتُّهمت في موضوع الحديث عن حكومة وحدة وطنية ربطا بتنفيذ اتفاق الطائف بأنك تفتح الباب أمام سجال سياسي داخلي؟

في الحقيقة أنا لم أكن في وارد فتح أي سجال سياسي داخلي. أنا أجبت عن بعض أسئلة الوزير «وليد جنبلاط» في المؤتمر الصحافي له. أنا اعتبرت أن جزءا كبيرا من هذه الأسئلة قديم وهو سمع إجاباتها سواء مباشرة مني أو على طاولة الحوار الوطني. لكن السؤال المركزي الذي طرحه وهو سؤال ’مفتاحي‘ إذا صح التعبير، بمعنى أنه يفتح على الكثير من الأسئلة هو ما يرتبط باتفاق الطائف وأنا أجبت عن هذا السؤال وقلت نحن مع تنفيذ كامل بنود اتفاق الطائف بدون أي تردد وإذا كنتم جديين في تنفيذ اتفاق الطائف تعالوا لنبدأ باعتبار أن أهم بند وأول بند واهم شرط لتنفيذ الطائف هو تشكيل حكومة وحدة وطنية كما ورد في الاتفاق نفسه.

- هم ردوا وقالوا إن الأمر ينطبق على الحكومة الأولى بعد الطائف؟

هم حتى الآن، أي الجزء الأكبر من قوى الرابع عشر من آذار، يقولون أمرين أولهما إن حكومة الوحدة الوطنية أو الوفاق الوطني المنصوص عليها في الطائف لم تشكل منذ 16 سنة حتى الآن ويحملون ذلك إلى مرحلة الوصاية السورية على البلد كما يقولون. ثانيهما هم يقولون إن معظم بنود اتفاق الطائف لم تنفذ حتى الآن. عظيم إذا قلنا إن الحكومة لم تشكل والاتفاق لم ينفذ بمعظم بنوده ونريد تنفيذها الآن، فإن المدخل الطبيعي كما ورد في اتفاق الطائف لتنفيذ ما لم ينفذ هو تشكيل حكومة اتحاد وطني. هذا ليس كفرا سياسيا بل هذا إيمان وحرص سياسي على البلد. أنا لا أقول إنكم كحكومة اذهبوا إلى بيوتكم. فريق الثامن من آذار يريد إدارة البلد وان يحكم البلد. لم اقل لكم إننا لا نريدكم في الحكومة ولا في السلطة وعليكم أن ترتاحوا، حتى ينبروا للرد بهذه الطريقة الشرسة والقول إن الحكومة أوقفت الحرب وفعلت وصنعت وعملت وكل ذلك يحتاج إلى تدقيق سياسي. لا يجوز أن نأتي بانجاز ونقول إننا وحدنا قمنا به. هذا الأمر ينطبق على الجميع. أنا اعترف بدور للحكومة وبدور للاتصالات السياسية ولكن القول إن المقاومة وحدها أوقفت الحرب غير دقيق تماما كما القول إن الحكومة أوقفت الحرب وحدها هذا أمر غير دقيق.

من أوقف الحرب هو الخشية الإسرائيلية من الذهاب إلى كارثة عسكرية من خلال استمرار العملية البرية وانسداد الأفق والفشل ثم الفشل ثم الفشل. جاءت الاتصالات السياسية لتوظف الواقع الميداني فتؤدي إلى وقف الحرب. لا أريد أن أناقش الحكومة إذا كانت أنجزت أو لم تنجز، وأنا لست في وارد الخوض في هذا النقاش، لكن إذا هذه الحكومة وهي ليست حكومة وحدة وطنية، عملت انجازات يقولون إنها كبيرة وعظيمة وأنا لا أريد أن أناقش. جيد. لبنان الآن مقبل على تحديات كبيرة وخطيرة وإذا قمنا بزيادة قوة بلدنا ومناعته من خلال حكومة وحدة وطنية فهل نخسر ام نربح؟ إذا حكومة نجحت بتحقيق انجازات فهل يعني إقفال الباب على إمكانية تحصين البلد سياسيا عبر إشراك من تم شطبهم في مرحلة ما؟ إذا توافرت إمكانية تشكيل حكومة وحدة وطنية لمواجهة التحديات الكبيرة المقبلة فما هو المانع من ذلك. المنطق الذي تحدثت به هو منطق حرص وليس منطق كيد سياسي وأنا لا استخدم هكذا منطق نهائيا. كما لا استخدم منطق المحاسبة والمزايدة لأن من يريد الثأر من الثاني أو يحاسب الثاني لا يتحدث بحكومة وحدة وطنية، إنما يرفع شعار شطب الحكومة وتشكيل حكومة بديلة وأنا لم أتحدث بهذه اللغة أبداً.

أنا قلت أنتم تريدون تطبيق اتفاق الطائف وبناء الدولة. المدخل الطبيعي لذلك هو تشكيل حكومة وفاق وطني. تعالوا لنشكل هكذا حكومة ولا يرد على هذا الكلام السياسي القانوني الدستوري الوفاقي الحريص بلغة "خيطوا بغير هالمسلة". بأية مسلة يريدوننا أن نخيط؟

- هل تشعر سماحة السيد أن التوازن السياسي غير موجود ضمن الحكومة الحالية؟

التوازن السياسي غير موجود في الحكومة. وهذه الحكومة لا تعبر عن توازن سياسي. بالنسبة إلينا الحديث عن حكومة الوحدة الوطنية غير جديد. هو سابق للحرب ومنذ الأزمة الوزارية التي حصلت.

في نهاية المطاف، حتى عندما نتحدث عن حكومة وفاق وطني نحن لا نستهدف أية جهة سياسية في البلد. ولا نريد أي توجه أو خط أو تيار سياسي. ولا نريد افتعال أزمة سياسية في البلد. نحن ما ندعو إليه هو تعاون الجميع وتلاقيهم وبدلا من أن نشكل طاولة حوار وطني، فلنذهب ونشكل حكومة وحدة وطنية. هذا كلام وطني وليس فئويا ولا طائفيا ولا مذهبيا ولا يستهدف أحداً في السلطة مثلما لا يهدف إلى استرضاء أحد خارج السلطة، خاصة أن البعض حاول القول إننا نريد أن نسترضي بعض حلفائنا أو أصدقائنا في السياسة. أنا أقول لهؤلاء إن المصلحة الوطنية والأخلاقية هي التي تحكم منطقنا ولعل المصلحة الوطنية تكمن في تشكيل حكومة وحدة وطنية من خلال ضم «التيار الوطني الحر» بزعامة العماد «ميشال عون» إليها وقوى سياسية فعلية أخرى في البلد وليس فقط «التيار الوطني الحر». إن حكومة الوحدة الوطنية الحقيقية في البلد هي من خلال تمثيل كل القوى السياسية، وإلا بالمنطق الشعبي الفعلي هناك قوى سياسية في البلد لم توفق بسبب التحالفات في الانتخابات النيابية في أن يكون لها نواب في المجلس النيابي، وهناك قوى سياسية لها نواب في المجلس النيابي ووزراء في الحكومة وهي ليست قوى حقيقية فعلية، أو في الحد الأدنى هي اقل تمثيلا من قوى سياسية غير ممثلة.

عندما أتوجه إلى حكومة اتحاد وطني واعتبر أن هناك أزمة وطنية واستحقاقات وطنية ينبغي أن نواجهها بوسائل وأدوات استثنائية، لا تعود المقاييس والموازين هي التمثيل النيابي. حتى على أساس التمثيل النيابي، أنا لا اقبل بوزيرين في الحكومة إذا كان المعيار هو عدد النواب ومسألة التمثيل النيابي. لذلك أنا أتمنى ألا يستخدم هذا الأمر وإن كان البعض يستخدمه في إطار الإثارة السياسية والمذهبية. تكلمنا بلغة من هو حريص على البلد ومن يريد جمع البلد ولم شمله وتوحيده وإعماره وصيانته ونحن نرى أن منطق الاستئثار في السلطة ولو تحت عنوان أكثرية أو أقلية في هذه المرحلة هو منطق غير مناسب وغير صحيح، وبالتالي فإن هذا البلد كما قلت في احتفال الخامس والعشرين من أيار 2006 يواجه أوضاعا اقتصادية واستحقاقات سياسية وتحديات داخلية وإقليمية لا يمكن أن نواجهها إلا بأن نضع جميعا كتفا بكتف للمواجهة. البعض يصر في أن يبقي بعض الأكتاف خارج منطق تحمل المسؤولية وهذا غير صحيح.

- سؤال أخير حول أي موقع للبنان على الصعيد الإقليمي في ضوء تداعيات الحرب والقرار الدولي الجديد ووجود خمسة عشر ألف جندي أجنبي على أرض لبنان؟

برأيي أنه طالما هناك قوى سياسية في لبنان لن أدخل في تصنيفها، لا تتلقى الأوامر من السفير «جيفري فيلتمان» ولا تسارع إلى تنفيذ رغبات الأميركيين فلبنان لن يكون ولن يصبح أميركيا. هذه القوى السياسية اللبنانية موجودة ولن يستطيع أن يشطبها أحد. أما تواجد خمسة عشر ألف جندي من «اليونيفيل» على أرض الجنوب اللبناني، فلن يستطيع أن يغير من المعادلة الداخلية شيئا ولا من فاعلية وقوة هذه القوى السياسية الممانعة، وهذه هي تركيبة لبنان وأنا لا يقلقني هذا التواجد أو الانتشار الدولي بل أرى أن بقاء لبنان خارج السيطرة الأميركية هو رهن بإرادة أبنائه وقواه السياسية وهنا نتحدث عن قوى سياسية سيادية واستقلالية حقيقية وربما تستطيع القوى السياسية اللبنانية، وأنا لا أريد أن افرض خياراتي أو صداقاتي على أحد، أن تكون لها صداقاتها وتحالفاتها وعلاقاتها وتحالفاتها وأيضاً لنا صداقاتنا وتحالفاتنا، ولكن المهم هو أن نجلس في الحكومة أو إلى طاولة الحوار أو نجلس في أي إطار وطني لنقرر للبنان كلبنانيين أن لا نكون خاضعين للجهات التي نقيم معها صداقات أو علاقات.

بالنسبة إلى «حزب الله» أنا أدعي أننا نحن كذلك بل أدعي أننا أكثر من ذلك. حتى في علاقتنا مع سوريا وإيران وأنا أتمنى لو تكون علاقة قوى سياسية لبنانية أخرى وتقيم صداقات مع الولايات المتحدة أو غيرها شبيهة أو نظيرة بعلاقتنا بدمشق أو طهران أو بقية أصدقائنا في العالم.

هكذا يمكن أن تكون عندنا حكومة سيادية استقلالية وحياة سياسية سيادية استقلالية وهذا ما نتطلع إليه فقط. واختم بالقول إن لبنان لن يصبح أميركيا والمسألة لا ترتبط بانتشار عسكري أو عدمه. المسألة ترتبط بالإرادة السياسية وهي متوفرة لدى الجزء الأكبر والأغلب من الشعب اللبناني.

(جريدة السفير)

المزيد...